ثقافة

قصة أغنية (زهرة روما )

الخرطوم :جزيرة برس



كتب الأستاذ حسن نجيلة في كتابه ملامح من المجتمع السوداني قصة أغنية (زهرة روما) متحدثا عن الراوي شيخ عذب الحديث حلو المعشر معاصرا لتلك الفترة :

وسبح ببصره بعيدا كمن يصيد اطيافا من الافق, البعيد – واخذ يروى
في صوت خفيض أخذ يعلو شيئا فشيئا – هي بيضاء رعبوب يونانية
المنبت سودانية النشأة غربية الهوى .


فتنة طاغية وجمال فذ .. كان حظنا منها ان نراها من بعيد وهي تخطر
عابرة الطريق في زهو المدل محسئه ؛ لا تنظر الى احد وينظر اليها كل احد .

ورآها (الخليل ) الشاعر المفتون بالجمال المأخوذ بسحره؛ وتربصنا بطريقها اكثر من مرة نتأمل هذا الجمال الفاتن:ونسبح الله الخالق المبدع ونتبعها بإنظارنا وقلوبنا حتى تختفى … ونعود مرة أخرى – بل مرات ومرات ؛ نرقب مطلع هذا البدر من خلال ( دور الحى الافرنجئ بالخرطوم ) كما كان يطلق عليه ‎ واختلي الخليل الى فنه يستلهمه والى عوده يناجيه » وفي جلسة في دار فوز ولدت أغنية جديدة تصور هذه الفتنة الطاغية التي تسعي بين دور الحي الافرنجي بالعاصمة فتأسر القلوب وتعبث بالنهى !

وجلسنا نستمع للأغنية من الخليل في خشوع بددته نشوة الطرب فعربدت جوانحنا وأجسامنا ونحن نستمع اليه وفوز يوقعان لحن هذه الاغنية :

فوق جناين الشاطي وبين قصور الروم

حى” ( زهرة روما ) وابك يا مغروم
دره سالبة عقولنا ولبسوها طقوم”
ملكة آسرة قلوبنا تبيت -عليها تقوم
الطريق ان مرت بالخلوق مزحوم
كالهلال الهلا” الناس عليها تححوم
شوف عناقد! (ديسة )تقول عنب كروم
وشوف وريدة الماثل زي زجاجة روم

القوام اللادن والحشا المبروم
والصدير الطامح زي خليج الروم
خلي جات” متبوعة الصافية كالدينار
في القوام مربوعة شوفه عالية منار
موضة واخر موضة هيفا غير زنار
روضة داخل روضة غنى” فيها كنار
الجبين الهلَ ضوً فوقو فنار
منٌه هلُ الشارع منه بقَه ونار
طالعه ما بتتقابل زي لهيب النار
تحرق البتهابل والبعيد فى نار

وتلقف الناس هذه الأغنية معجبين وأطلقوا على فتاة الاغنية (زهرة روما). وشقيت الفتاة بسبب هذه الأغنية .. كانت لا تستطيع أن تسير في الطريق إلا وتجد نفسها محاصرة بين صفين على جانبي الطريق من المعجبين ؛ والشفاه تهمس باسمها .. (زهرة روما) ! و الأبصار محدقة بها من كل جانب .

وفي هدوء الليل كان بعض الشباب الواله من فتية الخرطوم يحجون الى دارها و يطوفون حولها وهم على دراجاتهم أو أرجلهم وينشدون بأصوات حلوة :

فوق جناين الشاطىء وبين قصور الروم
حى زهرة روما ؛ وابك يا مغررم !

ووصلت الاغنية إلى مسامع الفتاة ووعتها حرفا حرفاً .. و زهاها هذا
الإعجاب من فنان سودانى .. أليست من الغوانى اللواتي يغرهن الثناء ؟

وعرفت أقاصي أقاليم السودان من امر هذه الفتاة ما عرفته العامصة ولم يكن رسول التعريف الا اغنية الخليل ولكم كان يضحكنا اؤلئك الرفاق الذين كانوا يفدون الينا من الاقاليم ومايكاد يستقر بهم المقام حتى يكون في مقدمة مطالبهم ان نسير بهم الى الحي الذي تقطنه زهرة روما ليشهدوا هذه الفتنة وليتحققوا او قل ليتذوقوا اكثر معانى الأغنية وليباهوا زملاءهم في الأقاليم اولئك الذين قعدت بهم ظروفهم فلم يزوروا العاصمة ليروا ملهمة أشهر أغنية فى ذلك العهد !


لست أدري هل أشقى الخليل تلك الفتاة بأن جعلها تعيش مضطرة وراء
ستار فرضته على نفسها بعد أن تعذر عليها أن تشق الطريق دون أن تضيق بفضول المارة ونظراتهم الملتهبة الموجهة نحوها؟! أم أسعدها بأن جعل قلوبٍ الألوف من الشباب تهوي نحوها معجبة فصارت أشهر جميلات عهدها ؟

ومهما يكن فقد كان الخليل فنانا مرهف الحس رقيق الشعور كان عسيراً
عليه ان يرى ذلك الحسن الطاغي ولا تنفعل فى نفسه احاسيس الفنان الأصيل .

قال صاحبي :


ولقد رأيتها منذ عهد قريب بعد ان انفض سامرنا وغيب الثرى من غيب
وبقي من بقي يجتر هذه الذكريات , رأيتها ,هي أم رؤوم وعلى وجهها رغم مرَ السنين هالة من نور وبقايا القارورة العطر النادر بعد نفاده .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى