د/صلاح البندر يروي( لجزيرة برس): مسيرة عبور عرفاني من الأجداد وإلى الأحفاد
الخرطوم :جزيرة
كان جدي الشيخ أحمد محمد آل بندر (1870-1957) وأبنه الشيخ عباس أحمد بندر (1918-1990) أحد شيوخ الطريقة التجانية، وكان منزله في زالنجي ونيالا (دارفور) هو مقر زاوية التجانية ولسنوات طويلة.
كما كان مسيد الشيخ بندر في حي العرب زاوية ومقصداً لطلاب العلم من كل انحاء السودان، وبشكل خاص من دارفور لعقود من الزمان.
وكان مسيد ود بندر في حي العرب تربطه بالبادراب علاقة خاصة. ومولانا الخليفة الشيخ الطيب الجد ود بدر (خليفة خلاوي أم ضواًبان) الحالي احد منتسبي هذا المسيد قبل التحاقه بكلية غردون للتأهيل القضائي.
مما جعل شلوخ الوالد عباس (وهو مزيج من الكواهلة والبديرية الدهمشية) هي نفسها كما للخليفة الطيب البادرابي.
وقد كانت أمنية الوالد عليه رحمة الله ورضوانه التي يكررها دائماً: والله يا ابوصلاح بعد زياراتي للأراضي المقدسة والى القدس الشريف أمنيتي و رغبة جدك الحاج أن نزور مقام شيخي أحمد التجاني في فاس الما وراها ناس.
فاس هي ثاني أكبر مدينة في المغرب، وعدد سكانها أكثر من مليونين نسمة. وكانت عاصمة الدولة الإدريسية التي أسستها قبل 1300 عام. وتعتبر اليوم العاصمة الثقافية والروحية للملكة المغربية.
فاس حيث يوجد ضريح الشيخ أبوالعباس أحمد التجاني (1737-1815) مؤسس الطريقة التجانية الصوفية. وهو جزائري المولد، ولكنه لجأ وعمره 21 عاماً الى مدينة فاس هروباً من عسف الحكم العثماني. وكانت زمنذاك، وما تزال، فاس مقراً لسلطة الأدارسة وذات أهمية علمية ورمزاً تاريخياً. وهي الى اليوم تعتبر المركز العام للطريقة التجانية التي انتشرت في عموم أفريقيا. وتعتبر من أقوى الحركات الصوفية في دول غرب أفريقيا وبشكل خاص في السنغال وموريتانيا ونيجيريا.
كان يحدثني الوالد في لحظات الصفاء عن مرافقته لجدي في زيارته للقدس الشريف في منتصف الثلاثينيات ومرافقته له في الحج لأكثر من مرة. وكيف كانت تلك الرحلات منذ الثلاثينيات والى نهاية الخمسينيات محفوفة بالصعاب والإثارة والإيثار. وما شهدته الاراضي المقدسة من تغيير وتيسير للحجاج والسهر على راحتهم خلال السنوات الأخيرة. ولكنه كان يتذكر دائماً رغبته الملحة ورغبة والده وشوقهم لزيارة ضريح شيخهم المدفون في فاس الما وراها ناس منذ العقد الثاني في القرن التاسع عشر …
ومنذ وفاة الوالد في سبتمبر 1990 حرصت على تحقيق رغبته على الرغم من الحواجز. فخلال عامين من زياراتي المتكررة لمعسكرات اللآجئين في مطلع الثمانينيات من الصحراء الغربية في منطقة الحدود بين الجزائر والمغرب خلال عملي مع ثوار البوليساريو ولكن التوتر والتوجس بين البلدين كان حاجزاً معنوياً وسياسياً.
ولكن شاء الله أن أزور فاس تحقيقاً لرغبته ووالده جدي الحاج أحمد في رفقة حفيداته (نورالهدي وسارة) … فكانت رحلة عرفانية كان لها أثراً معنوياً كبيراً على تعزيز هوية وانتماء نورالهدى وسارة (من مواليد كيمبريدج البريطانية) امتداداً من الأجداد وإلى الأحفاد عبر تواصل وولاء للطريقة التجانية امتد نحو 100 عام من قبل الثورة المهدوية والى مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين.
فيا لها من رحلة ….
عبرت فيها أرواحنا ومشاعرنا مختلطة برغبات الوالد ووالده من زالنجي ونيالا وحي العرب وكيمبريدج إلى ازقة حاضرة الأدارسة ومقام ضريح الشيخ أحمد التجاني في فاس الماوراها ناس !!