ثقافة

لماذا انفصل جنوب السودان

الخرطوم :جزيرة برس

صدرت الطبعة الأولي من كتاب (لماذا انفصل جنوب السودان )لمؤلفه الأستاذ محمد ابراهيم خليل وقد صدر الكتاب باللغة الانجليزية في الأصل وتمت ترجمته للغة العربية .وقد صدرت الطبعتان في وقت واحد وقالت الأستاذة سوسن خليل ابنة المؤلف ان والدها بدأ مشروع الكتاب منذ العام 2005 قبل التوقيع علي اتفاق السلام وهو بالولايات المتحدة .ثم عاد الي السودان في العام 2006 لكنه انشغل بتأسيس مكتبه الخاص بالمحاماة ولم يجد الوقت الكافي للكتابة وبعدها جاء استفتاء جنوب السودان .

بعد عودته لأمريكا استأنف الكتابة وفرغ منها قبل عامين لكن ظروف جائحة كورونا فرضت ان يستغرق الناشر زمنا طويلا في المراجعة والطباعة كما ان البحث عن مترجم للعربية ودار نشر ايضا اخذا وقتا كافيا .

وقد كتب مقدمة الكتاب مدير معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام ،ديفيد سموك وتعليق كل من د. فرانسيس دينق والأستاذ محجوب محمد صالح

المقدمة بقلم ديفيد سموك / نائب رئيس المعهد الأمريكي للسلام :


إن هذا لكتاب مرموق.
من بين مزاياه العديدة أسلوبه الجميل، ومن بين جميع الشماليين المحتمل قيامهم بمثل هذا العمل فإن بروفيسور خليل هو الأقدر تأهيلاً: فهو سياسي وأكاديمي وتأهيله متصل بموضوع الكتاب من حيث أنه كان رئيس المفوضية التي أجرت الإستفتاء فقام بتلك المهمة بموافقة من طرف القادة الجنوبيين. ليس في الكتاب تحيز للشمال وبرغم ذلك فقد يكون ملمحاً إرشادياً أن نجد تقويماً جنوبياً لهذا الكتاب.
من الواضح أن المؤلف أصابته خيبة أمل حين أختار الجنوبيون الإستقلال في الإستفتاء وكان أختيارهم غلاّباً.
  ولكنه لا يلقي باللائمة على الجنويين على تلك النتيجة، فعلى مر الأزمان وعبر تاريخ السودان ظل ساسة الشمال وقادته العسكريون يختارون مراراً وتكراراً سياسات تنفّر الجنوبيين.
هذا الكتاب يحوي مناقشة منيرة عن كيف نهضت مفوضية الإستفتاء بمهمتها والمؤلف هو الأكثر تأهيلاً ليكتب عن ذلك.
أكثر جمل الكتاب وقعاً عندي هي:
” هذه هي خلفية علاقات الشمال بالجنوب: حرمان من الخدمات الجوهرية والغياب التام للتنمية الإقتصادية والتهميش السياسي وانعدام الثقة وسوء الظن والخوف من الإخضاع الديني والثقافي، ونتج عن عجز حكومات ما بعد الإستقلال عن معالجة هذه المظالم؛ ما يزيد عن ثلاثين عاماً من النزاع التدميري المسلح”. وفي عدة نقاط من الكتاب يقترح المؤلف الكيفية التي كان ممكنا بها تصحيح ذلك.
إن خاتمة الكتاب تحوي مناقشة عليمة وتوجيهية حول توافق الإسلام أم عدم توافقه مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أوصي مخلصاً بقراءة هذا الكتاب.

  تعليق فرانسيس مادينق دينق:


            

” لماذا انفصل جنوب السودان” الذي كتبه بروفيسور محمد إبراهيم خليل يمثل منظور رجل دولة ثقة ومحل إجلال. الكتاب نتيجة بحث دقيق وأسلوب كتابة فائقة المتانة وملهمة ثقافياً، وقد جاء في أوانه. وإلى ذلك فان الكتاب ذو شأن بتحديات ديوان الدولة وبناء البلدان لا في السودانين الإثنين فحسب وإنما في مناطق أدنى شرق إفريقيا وما وراءها.
ظللت دائماً على يقين من أن فرص السودان في الإبقاء على وحدته كان رهناً بوجود سودانيين شماليين من ذوي الفكر الثاقب والنفاذ يجهرون بتقديرهم لقضية الجنوب وللحاجة إلى جبر المظالم الملحة للجنوبيين. ليس هناك من سوداني هو أكثر تأهيلاً للقيام بذلك من بروفيسور محمد إبراهيم خليل. فهو يقوم بذلك بسطوة ثقافية واستقامة استثنائتين. لقد فات أوان إنقاذ وحدة السودان إلا أن هناك دروساً يتعين أن نعيها من التجربة قد تساعد في رشد التطلعات إلى الإصلاح في السودانين ألأثنين وفي تحسين علاقاتهما الثنائية نحو تعاون أعظم وصوب استعادة نوع من أشكال الإرتباط الوثيق؛ في الإطار الأوسع للسلام والأمن في المنطقة.
إن بروفيسور خليل صاحب سجل أكاديمي ومهني وسياسي لا تشوبه شائبة قط. عرفته لأول مرة كأحد أبكار اساتذة كلية الحقوق في جامعة الخرطوم. يطيب لي أن أقول إننا أصبحنا لاحقاً زميلين ونمت العلاقة فصرنا أصدقاء. أعتقد انه أول سوداني يحتل منصب عمادة كلية الحقوق في جامعة الخرطوم. أما خبراته المهنية السابقة فقد شملت مكتب النائب العام، وفي مضمار السياسة عمل وزيراً للخارجية ورئيساً للجمعية التأسيسية. وإلى ذلك فقد درّس بروفيسور خليل القانون ومارسه في عدد من الدول الإفريقية والعربية. ثم التقينا في واشنطون حيث تعاقبنا في منصب الزمالة العليا في مركز وود رو ويلسون الدولي للأكاديميين ومعهد الولايات المتحدة للسلام.
ليس في نيتي هنا تقديم ملخص وافٍ عن حياه بروفيسور خليل المهنية والأكاديمية ولكن أن أقدم خلفية وجيزة فقط تلقي الضوء على مؤهلاته الإستثنائية كمؤلف. وربما كان المنصب المتصل مباشرة بهذا الكتاب هو أنه كان رئيس المفوضية التي أدارت الإستفتاء  الذي عبر عن طريقه أهل جنوب السودان عن إجماعهم على خيار الإنفصال.
 من نافلة القول أن نذكر أن تلك مهمة بالغة الهول لسوداني من الشمال ربما يكون أغلب الظن ولأعتبارات مفهومة مقاوماً لتجزئة البلاد. بيد أنبَيْدَ أن بروفيسور خليل نهض بتلك المسؤولية بموضوعية وباستقامة مهنية؛ ولا غرابة: فهو أهل لذلك. إن حقيقة أن جنوب السودان أصبح بلداً مستقلاً في وقت كان فيه بروفيسور خليل يتطلع لأن يظل السودان بلداً واحداً هي شهادة بانجازه الباهر. إنه الآنيحتل منزلة فائقة السمو في جنوب السودان كبطل لم يكفل فقط استقلال البلاد ولكنه بالمثل رفع عالياً راية العدالة التي جعلت السلام أمراً ممكناً.
ولكن ” لماذا انفصل جنوب السودان” هو أكثر بكثير من أن يكون كتاباً عن الإستفتاء الذي أداره بروفيسور خليل باقتدار. إنه تاريخ وجيز ولكنه شامل للسودان من الأزمنة الغابرة وعبر المراحل التكوينية حتى زمننا الحاضر.
إن أفعال الرعب والمهانات الجسيمة التي ظل أهل الجنوب يُخضعون لها بلا انقطاع على أيدي سلسلة من الغزاة وتجار الإسترقاق والحكام الأجانب والعجز التام عن مخاطبة الحرمان المفجع من الحقوق الأساسية للإنسانية والمواطنة على أيدي حكومات السودان المستقل – جعلت انفصال جنوب السودان في حكم الحتمي.
وعلى سبيل التدبر فان الذي كان حرياً بأن يتم أو ممكناً أن يجري يبدو الآنبالغ الوضوح، ما يجعل ذلك العجز مجلبة لقدرهائل من الإحساس بانعدام الضمير. 
كنت واحداً من المؤمنين برؤية السودان الجديد المتحد المفعم بالمساواة من دون تمييز على أساس العنصر أو الإثنية أو الدين أو الثقافة. وعلى الرغم من أنني لم أكن عضواً في اية منظمة سياسية سودانية جنوبية ولكن تلك رؤية اقتسمتها مع الحركة الشعبية – الجيش الشعبي لتحرير السودان. وبخاصةً مع زعيمها دكتور جون قرنق دي مبيور الذي كان عالماً أكاديمياً وجندياً ورجل دولة وصديق. لقد أدركت أن هناك حاجة ماسة إلى إصلاح جذري للنظام، وأن رؤية السودان الجديد لم تكن قابلة للتحقق عبر الكفاح المسلح؛ على الأرجح. كما ان استقلال الجنوب لم يكن بديلاً مرغوباً فيه.
بصفتي رئيساً مشاركاً في فريق المهمات التابع لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية والذي أشار اليه بروفيسور خليل في كتابه؛ فقد ساعدت في ابتدار وفي الترويج لصيغة “بلد واحد نظامان اثنان” وذلك كوسيلة لإنقاذ وحدة البلاد عن طريق مصالحة غير المتوافقين: العربي–الإسلامي والإقريقي-العلماني التوجه للشمال والجنوب. حتى تلك الصيغة؛ رغم أنها وجدت الترحيب كترتيب انتقالي مؤقت؛ إلا أنه لم يكن لها أن تحول دون التقسيم الحتمي للبلاد.
على أن هذا الكتاب ليس عن الماضي فحسب. ذلك أن الأسباب الجذرية التي أدت إلى إنفصال جنوب السودان ما زالت تواجه السودانين بعد الإستقلال. رغم أن ذلك يتم باشكال ومقادير متفاوتة. هذه الأسباب تتعلق أساساً في القضية الحرجة المتمثلة في كيفية ضمان المساواة التامة للمواطنة في بلد يتميز بالتنوع العرقي والأثني والقبلي والديني والثقافي.
لقد كان عدد من هذه العوامل في السودان عناصر متكاملة في القضية الحساسة المتمثلة في فرض الشريعة ودولة اسلامية بكاملها على كاهل بلد ذي ديانات متعددة. إن الإسلام في السودان متصل عن كثب باللغة العربية والثقافة العربية بمدلولات عنصرية. إن حروب التحرير المشتعل أوارها في المناطق المهمشة في السودان، غير العربية في معظمها، تلمح وتشير إلى هذه الشراكة المعقدة للعناصر الدينية والثقافية والعرقية في البلاد.
وفي حين أن حالة السودان كانت متطرفة نوعاً ما فإن هذا تحدٍ يواجه البلاد الإسلامية الواقفة بين الإلتزام بفروض الديانة والمطلوبات المعيارية للدولة الحديثة.
إن بروفيسور خليل يطرح حجة أخاذة مفادها أن تلك المعضلة يمكن تزيينها كما يمكن تجسير الفجوة عن طريق تفسير أكثر إبداعاً وليبرالية لمباديء الإسلام المعيارية. كما يقدم بعض تفاصيل للمفاهيم الإسلامية التي تتيح أساساً لهذا التفسير الخلاّق.
إن الثورة الشعبية التي أطاحت نظام ثلاثين عاماً من حكم “الأخوان المسلمون” في السودان والذين حاولوا التمويه على هويتهم باسم حزب المؤتمر الوطني؛ تحاول ابتدار وإجلال إطار يزيح الدين عن الدولة/أو حكم ذلك حتى إذا كان من المحتمل تفادي مفردة “علمانية”؛ على سبيل البراغماتية. هذا يؤكد قناعة بروفيسور خليل أن من الممكن استكشاف أرضية مشتركة من دون الإنتقاص من الحساسيات الدينية.
وهكذا فان كتاب بروفيسور خليل ليس مواتياً لبلدان عديدة ممزقة بشتى عوامل الهوية فحسب ولكنه أتى في أوانه إلى السودان حيث تظل باقية التحديات التي أفضت إلى استقلال جنوب السودان حتى إن كانت في صيغة أقل تطرفاً.
وحيث أن السودانين الإثنين مرتبطان وثيقاً بنزاعاتهما الداخلية التي قد تمتد وتطفح عبر الحدود فان تحقيق سلام حقيقي ومستدام داخل حدودهما من شأنه أن يعود بنتائج إيجابية على علاقاتهما الثنائية.
أختم بأن أعيد القول إن الكتاب مكتوب باجادة ورصانة وهو في حين يتيح معلوماتٍ متبصرة فانه شيق في مطالعته. وأهم من ذلك فانه يأتي في وقت يقف فيه السودانان في وسط أهتمام متزايد وتعاطٍ من قبل منطقة إيقاد الدنيا والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمجتمع الدولي على وجه العموم. هذا الكتاب مورد ضروري تماماً لجميع المهتمين بماضي السودانين الإثنين وحاضرهما ومستقبلهما المرتقب.

إنني أوصي الأكاديميين وطلاب العلم وراسمي السياسات على المستويات القومية والإقليمية والدولية بقراءته. 

    لماذا انفصل جنوب السودان    
                      تعليق من محجوب محمد صالح – رئيس تحرير صحيفة الأيام – الخرطوم

“كان السودان أحد قلة من الدول الإفريقية التي حققت الإستقلال عقب الحرب العالمية الثانية مباشرةً. تمتع السودان بالحكم الذاتي في العام 1954 وبالإستقلال التام في العام 1956 ولكنه أُبتلي باعمال التمرد والعصيان والحروب الأهلية. طالب جنوب البلاد بنظام فيدرالي فيما زعمت الحكومة المركزية أن الفيدرالية من الممكن أن تشجع تجزئة البلاد والإنفصال؛ آخر الأمر.
على أنه بعد عدة عشريات من الحروب تم التوصل إلى اتفاقية تقضي بنظام فيدرالي للجنوب وتقرير للمصير بعد فترة ست سنوات. انتقالية بعدها تعين على الجنوبيين الإختيار في استفتاء بين سودان فيدرالي متحد أم انفصال الجنوب.
مؤلف هذا الكتاب؛ بروفيسور خليل طُلب اليه أن يكون رئيساً للمفوضية التي أشرفت على الإستفتاء الذي أُجري في 9 يوليو، 2011م. ذلك التعيين وجد تقديراً كبيراً من الناخب الجنوبي الذي يكن ثقة تامة في أن المؤلف سوف يدير استفتاءاً جديراً بكل ثقة.
هذا الكتاب يروي الحكاية كلها ويبين كيف عجزت حكومات ما بعد الإستقلال في السودان عن صون الوحدة الوطنية للسودان عن طريق الاعتراف بالتنوع العظيم في هذه البلاد واحترام ذلك التنوع وإدارته وكذلك بأن البلاد لا يمكن جمع أطرافها معاً إلا عن طريق ” الوحدة في التنوع “.
هذا الكتاب رشيق العبارة شيق وسلس تماماً، ومبين بالمثل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى