العصر الذهبي للأغنية السودانية
في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات والى منتصف السبعينيات كانت الأغنية السودانية في أوج عظمتها حيث كانت الكلمة واللحن والصوت الشجي كل اغنية قبل ان تخرج وتلتقطها أذن المستمع يستمع اليها خبراء الفن من عازفين الى شعراء الى فنانين ومن ثم تخرج الي الهواء الطلق عبر الأثير.
وكان التنافس بين الفنانين له اثر كبير في الارتقاء بالأغنية السودانية وعندما ظهر الفنان الذري بأغنياته الخفيفة والراقصة وذلك نتيجة لتعامله مع الشاعر والملحن ابراهيم الطاهر ابن حي العرب فكانت اغنياته تمثل الجناح الخفيف الذي حلق به ابراهيم عوض في سماء الأغنية السودانية الخفيفة.
هذا النوع من الغناء كان له أثر في الساحة الفنية حيث حرك الفنان الكبير وأسطورة النغم عثمان حسين ان يتناول مثل هذه الاغنيات فطلب من صديقه الشاعر السر دوليب أن يكتب له اغنيات خفيفة كتلك التي أتى بها ابراهيم عوض فكانت (ما بصدقكم ) (مالي والهوي ) (ريدتنا ومحبتنا) (كنت فاكر القى عندك الحنان تغمرني بيه ) وغيرها من الاغنيات الرائعات والتي كان يتغنى بها دوماً عثمان حسين في مناسبات الأفراح.
وعندما غنى الأستاذ عبد الكريم الكابلي رائعة صديق مدثر يا ضنين الوعد هذه الأغنية التي احدثت دوياً هائلاً في الوسط الفني وفتحت افاقاً جديدة للاغنية السودانية هذه الأغنية حرّكت الفنان والامبراطور وردي أن يسعى للتعامل مع نفس الشاعر ، فكانت أغنية( الحبيب العائد ) التي لا تقل روعة من حيث الكلمة واللحن والصوت الشجي.
وكذلك كان التنافس علي أشده بين الفنان عبد الوهاب الصادق والفنان كمال ترباس وعندما ظهر عبد الوهاب بأغنية (حبايبي الحلوين اهلا جوني وانا ما قائل حلوين، زي ديل بزوروني) وهي كلمات والحان الاستاذ محمود فلاح هذه الاغنية رغم بساطة، كلماتها ولحنها الخفيف كانت مسيطرة علي الساحة الفنية ردحاً من الزمن ، هذه الاغنية حركت الفنان كمال ترباس وجعلته يظهر عدد من الاغنيات في الساحة الفنية، كأغنية (رسلت ليك اجمل خطاب) و(قبلي جاي وقبلي جاي) فهاتان الاغنيتان من، كلمات الشاعر عبد الله امام ، وهو من ابناء الجزيرة الحاج عبدالله وبالمناسبة هاتان الأغنيتان كتبهما في الشاعرة( أمنة خيري) التي كتبت أغنيات جميلة أشهرها تلك التي تغني بها محمود على الحاج (قصة الريد القديمة يسألوني عليها ديمه كلما حاولت انسى صحو ذكراها الأليمة) وغيرها.
وحينما ظهرت أغنية الملهمة التي كتبها وغناها التاج مصطفى أحدثت ضجة كبيرة التأليف الموسيقى الكبير الذي تخلل مقاطع الأغنية مما حدا بالفنان عثمان حسين أن يأتي بأغنية (الفراش الحائر ) التي ألفها الشاعر قرشي محمد حسن وقبل أن يبدأ عثمان حسين ويردد كلماتها يسبقها بكرنفال موسيقى تجلت فيه مقدرة عثمان حسين اللحنية وهذه الأغنية رفعته إلى فنان الدرجة الأولى وهكذا كان التنافس.
واذا رجعنا الي اغنية (ضنين الوعد) نجد أن الكابلي قد أبدع في اللحن مع اخراج كل حرف من حروف القصيدة من مكانه الصحيح ويقودني هذا الي ملاحظة في واحد من ابيات القصيدة فيقول كابلي:
(من دمي غذيتها حتي غدت ذات جرس يأسر الاذن شجيا
وافترقنا وبعيني المنى (غالها) (قالها)الدمع فما ابصرت شيئا)،
فكثير من الناس ينطق كلمة غال بالقاف كما كتبتها انا في القوس الثاني بالقاف ولكن الصحيح بالغين كما ينطقها كابلي وكلمة غال لها عدة معاني ومن معانيها غال فلانا. يعني هلكه واصابه كما وردت في معجم الوسيط واحسب ان الشاعر اراد هذا المعني بمعني ان العيون اهلكها واصابها كثرة الدموع ولذلك كثير من المستمعين يردد هذه الكلمة خطأ وهذا الخطأ شائع لدى عامة الشعب السوداني لأنه لا يفرق في نطق الحرفين القاف والغين.