
لنحتفل..
مرّ يوم آخر دون دموع، مقدمة الكتاب للكاتبة المتألقة دوماً، الأستاذة فرح تركي. ومن كلمات المقدمة، تختصر واقع الناس الطبيعي في الدنيا، ذلك الصراع الذي نحاول من خلاله زراعة الفرح والبهجة في جميع الظروف، حتى لو كان واقعنا عكس ذلك. فالحياة لا تُحتمل إن عشنا همومها بكل تفاصيلها وأحجامها، فلا نعذب إلا أنفسنا، وقد نتسبب أيضاً في خسارة صحتنا، فيصبح العذاب مضاعفاً.
كتبت الكاتبة أول رسالة لابنتها بنفسج، الطفلة التي تبلغ من العمر عشرة أعوام، الملهمة لها في مواصلة إبداعها وعام حياتها. فالأبناء يمنحون والديهم حياة أخرى يعيشونها لأجلهم.
ثم واصلت المؤلفة رسائلها لكافة أفراد عائلتها، وحتى بعض أقربائها وصديقاتها، بل وحتى إلى شخص مجهول لم يُذكر اسمه، لكنه يُفهم من خلال تدفق الأسطر أنه شخص حاضر غائب. وبين طيات أغلب الرسائل، يظهر الحزن الكبير والأمل الذي تضطر الكاتبة لزرعه في حياتها لتعيش قانعة راضية. فالسعادة التي يحلم بها أغلب البشر تتحول إلى واجب واحتياج بالتضحية من أجل الأبناء.
ولم تقتصر الرسائل على البشر فقط، بل تعدت لتشمل مشاعر الأشجار، كرسالة إلى (شجرة التفاح) ورسالة إلى (شجرة التوت خاصتي)، ورسالة أخرى إلى (…)، حيث تخيلت نفسها شجرة وعاشت في خيالها الساحر بطريقة جميلة وباهر. وقد شرحت بالتفصيل شعور الشجرة (أي الكاتبة نفسها) مع نفسها وعلاقتها بالناس، ثم لامت البشر على إساءتهم لبعضهم وللأشجار. وانتهت بوفاء أحدهم ليصبح في النهاية جزءاً من الشجرة بعد موته حزناً لفقدانه حبيبته.
الحقيقة أن رسائلها تحتوي على الكثير من المشاعر والعبارات المرسومة والمحبوكة بطريقة متجانسة وبأسلوب راقٍ ومبدع، لتناسب الهدف الأدبي والاجتماعي للرسالة. فعندما يكون الأدب مرآة للواقع المكبوت، تظهر الحقيقة، رغم مرارتها، جميلة وخفيفة الظل، تستمتع بها وتأخذ العبر منها وأنت راضٍ.
ختاماً، يقع كتابنا هذا في 105 صفحات، وهو من إصدار دار وتريات لعام 2024، وهو التأليف السادس للكاتبة المتألقة، التي تواصل إثراء الأدب بأنواع مختلفة من الفنون الأدبية.


