فليكن جدالُنا بالحسني
استمعت لندوة في الوسائط بعنوان ( ما بعد الاسلاموية) جلس في منصتها مع حفظ الألقاب الأخوة الكرام شمس الدين ضو البيت ..حيدر إبراهيم ..المحبوب عبد السلام ..النور حمد وجمال عبد الرحيم .
هذه المنصة وبهذا التباين الفكري وحدها كافية لتأكيد أننا قد وجهنا وجهنا شطر الإصلاح العام ، متجاوزين بذلك زبد النشطاء ورهقهم طيلة الأربع سنوات الماضية ، ولو استدركتُ شيئًا علي الندوة فهو أن الإسلام السياسي كواقع لن يصبح ماضياً – حسب أفتراض الندوة – إلّا بالحوار الفكري العميق الذي يحترم رؤية الآخر ويدحضها بالأدلة العقلية إن إستطاع الي ذلك سبيلًا ، أما القوة فلن تقصي فكرةً ولو كانت خطأً بل تزيدها لجلجةً ومن ظنَّ أن الإسلام السياسي مجرد مجموعة من القتلة واللصوص ويجب تفكيكه بفصل منسوبيه من الخدمة العامة ومصادرة ممتلكاتهم فهذا تصور خاطئ .
فالإسلام السياسي وقد كنت من دعاته عقيدةً راسخةً وفكرةً متجذرةً ، تأسست قاعدتها علي الإسلام السني الذي يدين به غالبية أهل السودان إن لم يكن كلهم ، وقد تركته بعد مراجعات فكرية قناعة مني ، ولا أعتقد أن القوة كانت ستثنيني مهما كلفني ذلك وهكذا كل الأفكار ، وقد قدم رجال أمثال المهندس محمود شريف ومحمد أحمد عمر وعلي عبد الفتاح وعشرات بل المئات من الشباب أرواحهم في سبيل هذه الفكرة ، فهل يُعقل تجاوزها هكذا بقوة السلطان ، إذا أردنا حقاً أن نقصي فكرة متجذرةً من حياتنا فعلينا مراعاة حق الآخر ومحاورته بالحسني ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) وعلينا أن نلتزم مبدأ الحرية والديمقراطية ، وينبغي أن نؤسس الحوار علي منهج مقولة : قولي صواب يحتمل الخطأ وقول محاوري خطأ يحتمل الصواب ، وهكذا كانت سنته (ص) مع المشركين ، لم يُكَوّن لهم لجنةً لتفكيك نظامهم أو سَيّرَ لهم جيشاً لوأد شأفتهم ، بل أتخذ من الحجة والمنطق منهجاً له مع الذين حرفوا الدين والكلم عن مواضعه ودونكم قول الحق ( إنّا أو إياكم لعلى هديً أو في ضلال مبين) .
وقطعاً أن القوة والحوار الفكري لا يلتقيان ( لست عليهم بجبار ) ( لست عليهم بمسيطر ) والواقع كما هو معلوم يتغير للأحسن بالتدافع والسنن التي لا تحابي أحداً ،ونحن الآن بين يدي واقع جديد يتشكل في السودان بذات السنن الحتمية والتي صنعت احداثاً لثورة شعبية – وهنالك من يراها خيانة ومن حقه أن يرى ما يرى- المهم أن هنالك تغييراً قد حدث بسنن التدافع وجب التزامه ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) .
ولذلك دعونا نتحاور بالحسني والكلم الطيب وبموضوعية بدلاً من هذا الغثاء الأخرق ، والتحية للأخوة الذين استنوا هذا المنهج ، ومن سنَّ سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.