قوى الحرية المركزي والتناقضات
تظن قحت أن الذي يجري في الرقعة الجغرافية الواقعة من حي الصحافة بالخرطوم جنوبًا حتي محطة المؤسسة بحري والعباسية أمدرمان شمالًا هي مساحة التكليف ، فالسودان السياسي عندها هو هذه الرقعة ولذلك فهي مشغولة جداً بهذه المساحة مع علمي التام أنها تحفظ جغرافية السودان عن ظهر قلب ، ولكنها لا تدري أنّ واقع السودان الاجتماعي لا تمثله هذه الرقعة النوعية وليس هذا تطاولاً عليها ولكن في تقديري الحقيقة وتحاول قحت جاهدةً أن ترضي مواطني هذه المساحة، وللأسف عجزت أن تحقق مرادها لأنها لم تلتزم بأسباب المنطق والموضوعية وهي تقدم حججها .
فمثلًا كانت حجتها وهي تعلن رفضها بقوة الجلوس مع العسكر بعد سقوط الإنقاذ مباشرة وتشترط أن يكون الحوار بعد الوفاء لدماء الشهداء والجرحى والمفقودين !! تُري أين هذا الشرط بكل زخمه وصلفه وكبريائه في ذاكرة قحت الآن ؟ واضح جداً انه ضاع شماراً في مرقة في الذاكرة وفي الواقع واصبح نسياً منسياً لانه قُدِّم يومئذٍ بحيثيات من حيث الظرف تفتقد المنطق والموضوعية وكل الغرض من تلك الضجة إقصاء العسكر والانفراد بالسلطة ، والحجة كما نعلم عملية فكرية مؤسسة ومتماسكة تمتلك عناصر نجاحها في ذاتها وليست معارك لفظية وطق حنك ، ولأنهم قدموها بمنهج طق الحنك فشلت كما هو واضح ،وبعد حركة ٢٥ أكتوبر التي يعتبرها البعض تصحيحاً خرجت علينا قحت بألا تفاوض ولا مساومة ولا شراكة ، وبالطبع هذه الثلاثية التي تفتقد الحكمة وعناصر النجاح وشرطها لعودة العسكر الي ثكناتهم قولاً وآحداً لا يتفق هذا الشرط وظرف المرحلة لذلك لا يمكن تحقيقه – وإن كان الشرط صواباً – وقديماً قِيلَ عبارة (كلمة حق أُريد بها باطل ) ويعني ذلك إن كلمة الحق في هذا السياق مجرد تدليس لباطل بحجج واهية وواهنة لأهداف أخري مستترة وإن اوهن البيوت لبيت العنكبوت في هذه الحالة لو كانوا يعلمون ، وراهنت قحت كذلك علي أن الشارع سيسقط العسكر إذ لم يستجب العسكر لشرطهم ، وهذه الفرضية ذاتها تؤكد أنهم لا يعرفون واقع الشارع الذي وقف ضدهم ٠
عدم الموضوعية في شروط وافتراضات قحت برمتها أدي لسقوط مشروعهم برمته كذلك ، وعادوا للحوار سراً وعلانيةً مع العسكر وبالمناسبة قحت في قرارة نفسها تُدرك تماماً أن كل مدخلاتها من الحجج والشروط غير صحيحة ، وفات عليها أن صحة الحجة شرط أساس لعملية النجاح ، وصدقوني قدر ما حاولت واجتهدت أن أقنع نفسي اعتباطاً أن عدم قبول مبارك اردول وعسكوري والآخرين في الإتفاق الاطاري عدم وصفهم لحركة ٢٥ اكتوبر انقلاباً عسكريًا لم أجد سبباً واحداً يجعلني أقتنع !! تُري أين هي المحكمة السياسة المحايدة التي قضت بأن هذه الحركة انقلابًا !! وهل يستقيم عقلاً وعدلاً أن تكون قحت المركزي نفسها هي القاضي الذي يفصل في الخلافات الفكرية السياسية بينها وخصومها ؟ ومن الذي أعطاها حق تعطيل عقول الآخرين في حق المعرفة والاجتهاد وتجعلهما حصريًا لها !! والتناقض العجيب أن قحت ذاتها وهي التي أصدرت هذا الحكم نفسه تحاور وتفاوض وتساوم قادة الانقلاب !! دي يبلعوها كيف ؟ لا أعتقد أنه يمكن بلعها ٠
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ.
ولذلك إيراد الحجة وموضوعيتها من الناحية النظرية ضرورة ، وبالطبع إذا كانت الأسباب منطقية و سليمة من التناقض فستكون المسألة ناجحة ، وإن لم تكن كذلك فمصيرها الفشل ، وقبل ان أرسل لكم هذه المقال قرأت للاخ المهندس صديق يوسف تصريحاً في السوداني يقول فيه : ( في حالة واحدة سنجلس مع الحكومة إذا كانوا سيسلموننا السلطة ونحاسبهم ) فهل هذا ممكن
؟