دكتور ابراهيم الأمين يكتب : المجتمع السوداني ماله وما عليه
يمر السودان بمرحلة انتقال , البنى التقليدية القديمة فى حالة تآكل مستمر دون أن تزول, وفى الطرف الآخر بنى شبه حديثة لم تكتمل ولن يسمح لها بأن تكتمل بعد التحولات الأخيرة فى بلادنا وللأسف تراجع الولاء لكل ماهو قومى لصالح الولاء للقبيلة أو الجهة,
استغلال الولاء القبلي لتحقيق تطلعات البعض أدخل البلاد فى دوامة العنف والحروب, كل طرف قبيلة أو حزب أو جماعة استخدمت كل ما عندها من وسائل مشروعة وغير مشروعة فى صراعاتها البينية وأن تم هذا على حساب مصلحة البلاد العليا.
نحن مجتمع مازال فى طور التكوين, أصوله بدوية الحراك المستمر للقبائل والنزوح من الريف الى المدن بسبب الكوارث الطبيعية والحروب تسببا فى حدوث نزاعات أفرزت درجة ما من فقدان الثقة فى الآخر، قد يقال إن الولاء للقبيلة خاصة فى المدن فى حالة ضمور ولكن ما حدث فى السنوات الاخيرة فيه مايؤكد أن النزعة القبلية المتطرفة مازالت موجودة وهى بلاشك راسخة فى عقولنا وملموسة فى تصرفاتنا،
فى السودان ما قبل دخول المستعمر, كانت تعيش قبائل متناثرة ومتنافرة لعبت الطرق الصوفية دوراً أساسياً فى كسر هذه العصبية القبلية، فالطريقة تضم مجموعة من القبائل, والإنتماء للطرق الصوفية التي تمكنت الى حد ما من الهدم ولم توفق فى بناء البديل، كما فشلت فى خلق اطار جامع لكل السودانيين نسبة لتخلفها وتعدد منابع فكرها إضافة الى ضعف البنية الفكرية فهى كما وصفها الاستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد أضعفت الولاءات القبلية لمصلحتها دون أن تعطي هذه المصلحة نتائج محددة بمعنى أن الاستقطاب الصوفى اتجه لبناء محدد طرح التفكك ولم يطرح التركيب البديل والنتيجة أنه خلق سيولة سياسية من الصعب التحكم فى اطرافها والتعامل معها كجسم متماسك.
لا شك أن الصوفية لعبت دوراً أساسياً فى نشر الإسلام فى السودان بيسر وبأسلوب مرن ميز إسلام أهل السودان عن إسلام الآخرين، نجد انه من الظلم أن يطلب من الصوفية أكثر مما أعطت مثل أن تكون لها ايديولوجية متقدمة، طلب كهذا وبمفاهيم اليوم فوق طاقتها وامكاناتها الفكرية، أما القوى الجديدة فهى إفراز طبيعى للتوسع الذى حدث فى التعليم والاحتكاك بالعالم الخارجي. فى اربعينات القرن الماضي تكونت الاحزاب السياسية وهى عبارة عن تحالف أطرافه هى الزعامات الدينية والقبلية وبعض المثقفين بعد انقسام مؤتمر الخريجين، فى تلك المرحلة تأثر البعض بأفكار جديدة على المجتمع السوداني قومية وماركسية وما أطلق عليه الحركة الإسلامية الحديثة تميزاً لها عن التنظيمات التقليدية، الصراع على السلطة والتطلع لها بوسائل أخرى غير صندوق الانتخابات ادخل العسكر كرقم فى اللعبة السياسية وأدخل السودان فى دائرة النظم السلطوية وهى التى استحدثت وبآليات السلطة مرحلة متقدمة من الهدم هدم البنى التقليدية وهدم منظمات المجتمع المدنى وهى أيضاً لم تسطع بناء بدائل مقبولة لها بعد جماهيري. محاولة الانظمة الشمولية حل العقدة بقطعها بحد السيف أدى الى تصعيد معدلات العنف، وانعكس هذا سلباً على حياة الناس فى كل السودان وعلى دول الجوار.
الآن نحن على اعتاب مرحلة جديدة وهى تعنى الانتقال من مرحلة الشمولية الى الديمقراطية علينا أن نهتم بالمواطن وهو محور التنمية وأداتها بأن نعمل على:
1) تعميق قيم التسامح وتعزيز مشاعر الانتماء للوطن لقد تأكد وبالتجربة فى بلاد كثيرة أن قوة الشعور بالإنتماء لها تأثير ايجابي على الاستقرار وعلى التنمية بكل أبعادها.
2) الشفافية و تمليك المعلومات الصحيحة للمواطنين فيما يتعلق بقضايا السياسة والاقتصاد والثقافة، بمعنى أن تمارس السلطة دورها فى الحياة العامة فى ضوء النهار بهذا يمكن تحجيم الفساد وهو أكبر معوقات التنمية فى البلاد التى لاتخضع فيها السلطة للمساءلة والمحاسبة.
د/إبراهيم_الأمين