Uncategorized

مولد النور

بقلم / سناء الباقر

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ

وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ

الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ

لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ

وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي

وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
هكذا ابتدر الشاعر احمد شوقي مدحه للمصطفى صلى الله عليه وسلم وعبر عن حبه وحب المسلمين له وتألقت سيدة الغناء العربي ام كلثوم في غنائها بصوت عذب يغمره الحب لسيد الخلق .
تملك حب النبي والاحتفاء بذكرى يوم مولده العظيم الذي أنار فيه الله الدنيا بأعظم صرخة لمولود على وجه الارض تملك ذلك الحب كل الشعوب الاسلامية وتمثل في الاحتفال بمولده بشتى السبل . وشعب السودان ليس استثناء من هذه الشعوب ان لم يكن اكثر بلد يحتفل بذكرى مولده في ربيع الاول من كل عام لمدة اثنا عشر يوما منذ اليوم الاول في الشهر وحتى اليوم الذي ولد فيه الحبيب حيث يسمى اليوم الاخير ب (قفلة المولد ) وهو اليوم الختامي للإحتفال.
تمر علينا هذه الايام ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم وبلدنا السودان وشعبه الذي يعشق الحبيب حد الثمالة يعيش أيام كئيبة باعدت بينه وبين الإحتفال بميلاد خير البشر .
يعبر السودانيين عن هذا العشق الصوفي باحتفالات يشارك فيها المحبون كل بطريقته في ميادين شاسعة بالعاصمة الخرطوم واغلب المدن والقرى وتمثل الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم
في اغاني الفنانين والمادحين للحبيب المصطفى والشعراء فقد غنى ومدح الفنان معتز صباحي وعبر عن حب السودانيين لأفضل خلق الله مدحة :
( شعب السودان يحبك يا رسول الله ) للمادح الشيخ خالد المصطفى .

كما ان الفنان الراحل محمود عبدالعزيز مدحه :
(يا كل مقاييس الرسم في
الدنيا شرقي غربي
ح تلقي شعبنا بالاسم اكتر بلد عاشق النبي ) .

كل ذلك لم يضاهي ما خطه قلم الشاعر محمد المهدي المجذوب
ووصفه ليلة المولد العظيم وحب الرسول صلى الله عليه وسلم في قصيدته( ليلة المولد )التي اكسبها الفنان الراحل عبدالكريم الكابلي رونقا وبهاء في ادائها حيث
وصف فيها تجلي المداح والاحباب في تلك الليلة(ليلة المولد ) ووصف الاحتفال والحب العظيم مبتهلاً بالدعاء :
صلِّ يا رب على المدثرِ
وتجاوز عن ذنوبي واغفرِِ
وأعني يا إلهي بمثابٍ أكبرِ
فزماني ولعٌ بالمنكرِ

الى ان يقول :

لا يبالون وقد عاشوا الردى
جنحوا للسلم أم ضاعوا سُدى
أيكون الخير في الشر انطوى…

رب سبحانك مختاراً قديراً
أنت هيأت القدر
ثم أرسلت نذيراً للبشر
آية منك ونورا
هو عين الله
لولا ضوؤه
لم نر العالم في شتى الصور.

جعل الموت رجاء وبقاء
وغراساً منه لا يفنى الثمر
صل يا رب على خير البشر
الذي أسرج في ليل حراء
قمراً أزهر من بدر السماء
يقرأ الناس على أضوائه
حكمة الخلق وأسرار البقاء
من إله قد هدى بالقلمِ
علم الإنسان ما لم يعلمِ

الى ان يأتي ويقول في سر الاحتفال :

ليلة المولد يا سر الليالي
والجمالِ
وربيعاً فتن الأنفس بالسحر الحلال
موطني المسلم في ظلك مشبوب الخيال
طاف بالصاري الذي أثمر عنقود سنىً
كالثريا
ونَضَا عن فتنة الحسن الحجابا
ومضى يخرجه زيّاً فزيّا
وزها ميدان عبد المنعم
– ذلك المحسن حياه الغمام –
بجموع تلتقي في موسمِ
والخيام
قد تبرَّجن وأعلن الهيام
وهنا حلقة شيخ يرجحن
يضرب النوبة ضربا فتئن
وترن
ثم ترفَضُّ هديراً أو تجن
وحواليها طبول صارخاتٍ في الغبار
حولها الحلقة ماجت في مدار
نقزت ملء الليالي
تحت رايات طوال
كسفين ذي سوار
في عباب كالجبال
وتدانت أنفس القوم عناقاً واصطفاقاً
وتساقوا نشوة طابت مذاقاً
ومكان الأرجل الولهى طيور
في الجلابيب تثور.. وتدور
تتهاوى في شراكِ
ثم تستنفر جرحي وتلوب
في الشباكِ
مثلما شب لهيب.

كما كتب شاعر السودان محمد المكي ابراهيم ،ينفث شوقه وحنينه وحبه لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم (مدينتك الحقيقة والسلام ) يقول فيها :
ﻣﺪﻳﻨﺘﻚ ﺍﻟﻬﺪﻯ ﻭﺍﻟﻨـــﻮﺭ
ﻣَﺪﻳﻨﺘﻚَ ﺍﻟﻘِﺒﺎﺏ
ﻭﺩﻣﻌﺔ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﻭﺟﻪ ﺍﻟﻨﻮﺭ
ﻭﺗﺴﺒﻴﺢ ﺍﻟﻤﻼﺋﻚِ
ﻓﻰ ﺫﺅﺍﺑﺎﺕِ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ
ﻭﻓﻰ ﺍﻟﺤﺼﻰ ﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭ
ﻣﺪﻳﻨﺘُﻚَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﻭ ﺍﻟﺴﻼﻡ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴُﻔﻮﺡِ ﺣﻤﺎﻣﺔٌ
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮُﺑﺎ ﻋُﺼﻔﻮﺭ …
ﻣﺪﻳﻨﺘُﻚَ ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔُ ﻳﺎ ﺭﺳـﻮﻝَ ﺍﻟﻠﻪ
ﻛُﻞّ ﺣﺪﺍﺋﻖِ ﺍﻟﺪُﻧﻴﺎ ﺃﻗﻞُ ﻭﺳﺎﻣﺔً
ﻭ ﺣُﻀﻮﺭ
ﻫﻨﺎﻟﻚَ ﻟﻠﻬﻮﺍﺀِ ﺃﺭﻳﺠُﻪُ ﺍﻟﻨَﺒﻮﻯ
ﻣﻮﺻﻮﻻً ﺑﺄﻧﻔﺎﺱِ
ﺍﻟﺴﻤﺎﺀِ ﻭﻛﺄﺳﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﻓﻮﺭ
ﻫﻨﺎﻟِﻚَ ﻟِﻠﺜﺮﻯ ﻃﻴﺐٌ
ﺑﺪﻣﻊِ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ ﻭﻟﺆﻟﺆٌ ﻣﻨﺜﻮﺭ
ﻫﻨﺎﻟِﻚَ ﻟِﻠﻀُﺤﻰ ﺣَﺠﻞٌ
ﺑﺄﺳﻮﺍﺭِ ﺍﻟﺒﻘﻴﻊ
ﻭﺧﻔﺔٌ ﻭﺣُﺒُﻮﺭ
ﻫُﻨﺎﻟِﻚَ ﻟِﻠﺼﻼﺓ
ﺭﻳﺎﺿُﻬﺎ ﺍﻟﻔﻴﺤﺎﺀُ
ﻭﺍﻟﻘـُـﺮﺁﻥُ ﻓﺠﺮﻳّﺎً
ﺗُﻀﻰﺀُ ﺑﻪ ﻟَﻬﻰ ﻭ ﺻُﺪﻭﺭ
ﺑﺴﺎﻋﺎﺕِ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔِ ﺗَﺤﻔﻞ ﺍﻟﺪُﻧﻴﺎ
ﻭﺃﻧﻬﺎﺭُ ﺍﻟﺪُﻋﺎﺀِ ﺗُﻤﻮﺭ …
ﺳَﻼﻡُ ﺍﻟﻠﻪِ ﻳﺎ ﺃﻧﺤﺎﺀَ ﻳﺜﺮﺏَ
ﻳﺎ ﻗﺼﻴﺪﺓَ ﺣُﺒِّﻨﺎ ﺍﻟﻌﺼـﻤﺎﺀ
ﺳﻼﻡُ ﺍﻟﻠﻪِ ﻳﺎ ﺃﺑﻮﺍﺑَﻬﺎ
ﻭ ﺑﻴﻮﺗِﻬﺎ ﻭ ﻧﺨﻴﻠﻬﺎ ﺍﻟﻠﻔﺎﺀ
ﺳﻼﻡٌ ﻳﺎ ﻣﺂﺫِﻧَﻬﺎ
ﻭ ﻓﻮﺝُ ﺣﻤﺎﻣِﻬﺎ ﺍﻟﺒَﻜّﺎﺀ
ﻭﻳﺎ ﺟَﺒﻞ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓِ
ﻭ ﺍﻟﺒﻘﻴﻊ ﺳﻼﻡ …
ﻋﻠﻰ ﺃﺛﻞِ ﺍﻟﺤﺠﺎﺯِ ﻭ ﺿﺎﻟﻬـﺎ
ﻭﻋﻠﻰ ﺧُﺰﺍﻣﺎﻫﺎ
ﺗﻬﺐُّ ﻗﺼﻴﺪﺓُ ﺍﻟﺼﺤــﺮﺍﺀ
ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ
ﺍﻟﻤﻌﺮﺟﺔِ ﺍﻟﺠﺪﺍﻭﻝِ
ﻭ ﺍﻟﻘﺒﺎﺏ ﺍﻟﺨﻀـﺮِ
ﻳﻬﻔﻮ ﺧﺎﻃِﺮُ ﺍﻟﺪُﻧﻴﺎ
ﻭﺗُﺤﺪِﻯ ﺍﻟﻌِﻴﺲُ
ﻓﻰ ﺍﻟﺼﺤـﺮﺍﺀ …
ﻣَﺪﺍﺋﺢُ ﻟﻢ ﺗُﻘَﻞ
ﻟﺒﻨﻰ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥِ
ﺗﺮﺩَّﺩﺕ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥَ
ﻟﻴﺜﺮﺏَ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ
ﻗﺼﺎﺋﺪُ ﻣﻦ ﺭﻫﺎﻓﺔِ ﻭﺟﺪﻫﺎ
ﺷﻘَّﺖ ﺟﻠﻴﺪ ﺍﻟﺼﺨـﺮِ
ﻭﺇﺟﺘﺎﺯﺕ ﻋُﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﺀ
ﻗﻮﺍﻓﻞ ﻣﺎ ﺇﻧﻘﻄﻌﻦ
ﻋﻦ ﺍﻟﺴُﺮﻯ
ﺻﻠَّﺖ ﻋﻠﻴﻚَ
ﻭﺃﻭﺟﻔﺖ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ
ﺇﻟﻰ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺣُﺒّﻬﺎ ﺍﻟﻌﺼﻤـﺎﺀ …
ﺑﺒﺎﺑِﻚَ ﻳﺴﺘﺠﻴﺮُ ﺍﻟﺨﺎﺋﻔﻮﻥ
ﻭﻳﺠﻠﺲُ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ
ﺑﺒﺎﺑِﻚَ ﺗﺪﺧُﻞُ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ
ﻓﺘﻮﺡ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﻴﻦ
ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤــﺎﺀ
ﻭﻓﻰ ﻧﻌﻤﺎﺀ
ﻋﺪﻟِﻚَ ﺗﺮﺗﻊ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ
ﻭﻣﻴﺰﺍﻥُ ﺍﻟﺤﺴـﺎﺏِ ﻳﻘﺎﻡ
ﻭﻧﺪﺧُﻞُ ﻓﻰ ﻧﺒﻮﺗَﻚَ ﺍﻟﺮﺣﻴﺒﺔ
ﺣﻔﺎﺓ ﺍﻟﺮﺃﺱِ ﻭﺍﻻﻗﺪﺍﻡ …
القصائد السودانية في حبه صلى الله عليه وسلم والاحتفاء بمولده والشوق لزيارته وروضته الشريفة كثيرة فهذا السفير فضل الله الهادي يبث اشواقه وحبه قائلاً:

طربت لما جرى ذكر الرسول ضحىً
وكدت ألمس من شوق له السحبا
وسال دمعي مدراراً أكفكفه
والدمع يهطل مثل الغيث منسكبا
يهيجه ذكر من أنواره سطعت
من نحو طيبة تذكي الشوق واللهبا
تلك البقاع بها المختار حين مشى
العود ماد له من نشوةطربا
وزلزل الشرك والأصنام حين دعا
وأذعن الكون منصاعاً لما طلبا
والخير عم ربوع الكون قاطبةً
والضرع أغدق من عجفاء إذ حلبا
وقال بشرى بجنات النعيم لكم
يا معشر الخلق إلا من عصا وأبى
———
صلى عليك إله العرش ما سجعت
ورق الحمائم أو ما هب ريح صبا
———-
ياسيدي يارسول الله يا سندي
كيف المديح لمن لا يحسن الأدبا
كيف المديح وقيد الإثم يقعد بي
و الكون ضاق بآثامي بما رحبا
فهل إلى وصل خير الخلق لي أمل
ينير لي الدرب كي أستكشف الحجبا
فما له الدمع يهمي كلما
ابتعدت
بنا المسالك أو إن ركبنا
اقتربا.

هكذا هو حب الرسول صلى الله عليه وسلم متجذر في قلوب ونفوس السودانيين .
تمر ذكراه في هذا العام وميادين المولد التي يحتفل فيها بهذه الذكرى الحبيبة فارغة كئيبةخاوية على عروشها وهي التي كانت تستعد لهذا الاحتفال قبل شهور وتتزين في حب سيد البشرية بالحلوى والندوات بسرد سيرته وقصة مولده ، واقامة الخيم التي تبذل اقصى ما وسعها لاكرام وفادة المساكين والمحبين للرسول صلى الله عليه وسلم .
هذا العام والذي سبقه اشتهى السودانيون ومن تفرقت بهم السبل ازاء هذه الحرب اللعينة اشتهوا عبق المولد في ميادينه وطعم حلوى المولد التي لا يخلو منها منزل حتى من هم في دول الاغتراب ترسل لهم لمعايشة ذكرى مولده من حلوى السمسمية _ الفولية_ اللكوم _ الحمصية وغيرها من الانواع التي لا تجدها الا في هذه الايام العطرات، موسم الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف .
نسأل المولى عزّ وجلّ في أيام مولده وبفضل حبيبنا وحبيب الله ان تعود هذه الذكرى العام القادم وساحات المولد في الخرطوم تتلألأ في بهاء وحسن تكفكف دمعها وتطفئ شوق المحبين الحالمين بالعودة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى