مقالات

الذكرى الستون لثورة أكتوبر المجيدة

أكتوبر واحد وعشرين ياصحو الشعب الجبار

 

بقلم / محمد سعيد شلي

تعد ثورة اكتوبر المجيدة ام الثورات الوطنية التي أعقبت استقلال السودان ..وخلال هذه السنوات الطوال التي مضت على اندلاعها جرت مياه كثيرة تحت الجسر فمن ولد في ” ليلة المتاريس” يحمل اليوم وبجدارة لقب (جدو) و قد وهن عظمه واشتعل راسه شيبا .. واحياء ذكرى اكتوبر كاحياء ذكرى الاستقلال لا تمل النفس من سرد حيثياتها واجترار وقائعها وهي أشبه في متعة السرد المتكرر بحكايات (فاطنة) السمحة ..وامنا الغولة وغيرها من اساطير الزمن الجميل والتى كنا نسمعها مرارا وتكرارا دون كلل او ملل وننفعل مع تفاصيلها فرحا وحزنا وكأنها ( جديدة لنج )…. كانت مشكلة الجنوب هي القشة التى قصمت ظهر بعير النظام العسكري الحاكم .. كان الفريق عبود وقبل سيناريو ( التسليم والتسلم )على وشك التقاعد من الخدمة وكان( مشروعه ) بعد التقاعد طاحونة ..أكرر طاحونة.. والقناعة كنز لا يفنى ..ولكن الرجل انصاع لتعليمات وزير الدفاع في اول حكومة ” الاميرلاي” عبد الله خليل واستلم ( زمام البلد ).

يقال ان عبدالله خليل وعد قيادة الجيش بأن ( التكليف ) لن يستمر طويلا ويعود بعدها العسكر للثكنات ..ويلاحظ ان احزابنا ( سامحها الله) من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ( تحرض ) العسكر للخروج من هذه الثكنات واستلام السلطة..ولكن ذات الاحزاب وعندما ( ينقلب السحر على الساحر ) تهتف ضدهم ( الى الثكنات يا عساكر ) ..اشرت الى ان العسكر قبلوا ذلك التكليف من وزير الدفاع وقتئذ ولكن بقي نظامهم لست سنوات لتعصف به (رياح اكتوبر) لجملة من الاسباب منها تداعيات الندوة الخاصة بمشكلة الجنوب.

كانت تقديرات النظام وبالذهنية العسكرية ان حل مشكلة الجنوب وعصيانه تحسم فقط عبر فوهة البندقية..اعترضت الاحزاب السياسية على اختلاف مشاربها على ذلك النهج فتم الاعداد لندوة الجنوب الشهيرة بجامعة الخرطوم.. ولكن سلطات (البوليس) منعت قيام الندوة وامعانا في الرفض اغرقت بالمياه المكان المحدد لعقدها..تصادف وقتها ان الرجل الاول والمسؤول عن الشرطة بالخرطوم كان طريح الفراش بسبب كسر في قدمه .. انتقد ذلك الرجل الاجراء الذى اتخذه نائبه في منع قيام الندوة وقال ( لو كنت في محلو) لسمحت بقيامها..فهو يرى ان ذلك ( المنع ) وليس موضوعها فقط هو الذى اشعل الفتيل وصب الزيت على النار..فحدث الصدام ببن الجانبين و لعبة الكر والفر والقنابل المسيلة للدموع.. وانطلق الرصاص وسال ( الدم بأرض الوادي).

.اصيب عدد من الطلاب منهم..احمد القرشى طه( القراصة بالنيل الابيض )..خالد نجم الدين( توتى )..محمد فائق يوسف حسن ( الحصاحيصا)..عثمان البلك ( طيبة الشيخ عبد الباقى بالجزيرة ).. نقل المصابون على جناح السرعة لمستشفى الخرطوم ..وفارق الشهيد القرشى الحياة بعد وصوله المستشفى بسبب نزيف حاد من جراء ( الطلقة النارية) .

ترجع اصول عائلة شهيد اكتوبر الاول الى قبيلة الدناقلة التى جاءت مجموعة منها من موطنها بشمال السودان واستقرت في منطقة النيل الابيض ..انقلبت الخرطوم بعد استشهاد القرشي الى (مرجل يغلي)..التقيت وخلال فترة اغترابي بسلطنة عمان بثلاثة من جرحى اكتوبر المهندس خالد نجم الدين و المهندس عثمان البلك ورأيت موضع الرصاصة بجسد خالد نجم الدين (وليس من راى كمن سمع)..والتقي كثيرا في المناسبات الاجتماعية بالمهندس محمد فائق يوسف حسن والذي تجمعني بأسرته صلة نسبة إضافة إلى منظمة خريجى حنتوب الجميلة…وكانت تلك الليلة المشهودة بداية النهاية لنظام عبود ..اعتقلت السلطات عددا من الطلاب الناشطين و من الاساتذة من بينهم الطالب وقتها بكلية القانون فضل الله محمد شاعر النشيد الخالد (اكتوبر واحد عشرين) أول نشيد يرى النور من سلسلة (الاكتوبريات)والتى شارك فى نظمها نخبة من الشعراء..هاشم صديق (الملحمة)..محمد المكي ابراهيم (باسمك الاخضر يا اكتوبر الارض تغني )… عبد المجيد حاج الامين(هبت الخرطوم في جنح الدجى). ..ينتمى الاستاذ فضل الله محمد والذي غيبه الموت قبل ثلاث سنوات الى ذلك الجيل من المثقفين السودانيين من ذوي المعرفة الموسوعية فتجده في القانون( تخصصه )..وفي السياسة .. والصحافة..والادب بضروبه ..ويعد الاستاذ فضل الله محمد ومحجوب محمد صالح يرحمهما الله في مقدمة من كانوا ( يتقنون ) كتابة ال editorial في الصحافة السودانية.

شهدت جامعة الخرطوم خلال ثورة اكتوبر والسنوات التى تلتها وجود كوكبة متميزة من الشعراء الى جانب فضل الله محمد و محمد المكي ابراهيم منهم عبد الرحيم ابو ذكرى..محمد عبد الحي..على عبد القيوم ..فضيلى جماع..كامل عبد الماجد ومن ثم كانت جامعة الخرطوم المتنفس للساسة والمثقفين السودانيين وجاءت ( ندوة الجنوب) بالجامعة و التى عصفت بنظام عبود من هذا (المنطلق ) . …وكما اشرت في صدر هذا المقال ان النفس لا تمل اعادة السرد ( الموسمي ) لذكريات اكتوبر والاستقلال والتى اشبه في ( اجترارها ) الممتع بحكايات واساطير الزمن الجميل.. وكل عام وانتم بخير ..ونسأل الله ان يعيد علينا هذه الذكرى وقد استرد الوطن الحبيب أمنه واستقراره..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى