مقالات

يا البوني مالك علي..

بقلم / محمد التجاني عمر قش

منذ عصر يوم أمس الأربعاء أعيش حالة وجدانية مفعمة بمشاعر الحزن والأسي ذلك لأني تذكرت زميلي العزيز ابن فاشر السلطان وأحد مثقفيها الذين نشأوا بين مكتباتها ومساجدها ومجالس أنسها أخي جمال الدين يعقوب حسن الذي رحل هو الآخر عن هذه الدنيا قبل يوم 15/4/2023، ونحمد الله أنه لم يشهد ما حل بمدينته الصامدة وبالسودان عموماً من مصيبة قضت على الأخضر واليابس جراء ما فعل تتار العصر وسفهاء السياسة من الخونة والعملاء والمتعاونين! وما زاد “علي أوجاعي” مقال كتبه الدكتور عبد اللطيف البوني عن آثار الحرب التي شنتها المليشيا الباغية على الشعب السوداني الأعزل فنهبت وقتلت وهتكت الأعراض وروعت الآمنين وأخرجتهم من دورهم وديارهم، ومنهم أستاذنا البوني الذي ترحم على صديق عمره وزميل دراسته ورفيق دربه الدكتور صديق مضوي الذي فارق الفانية قبل تاريخ الحرب التي كان قد حذر الناس منها لعلمه بما قد يحدث بسبب حدود السودان المفتوحة التي تدفق عبرها المرتزقة والأراذل من كل مجاهل إفريقيا وصحاريها ليشاركوا في عمليات النهب والسلب واسعة النطاق وغير المسبوقة تحت مظلة وعلى مسمع ومرأى الدعم السريع.

ومن أشد ما أحزنني في مقال البوني تلك العبارات ذات الدلالة العميقة كقوله: “الدخلت فينا ما بتمرق تاني” وقد صدق البوني ورب الكعبة فما من قرية، أو مدينة، أو حي، أو فريبروح مجروحة وخاطر مكسور..عبداللطيف البوني يكتب:(الدخلت فينا ما بتمرق تاني)ق، أو بيت في السودان إلا وأصابه شيء من الأحزان والماسي التي ولدتها هذه الحرب اللعينة. وحسب دكتور البوني فإن الحرب الجارية في السودان ليست حربا تقليدية إنما هي عدوان سافر على مواطن أعزل لا “يعرف صرف العكاز” ناهيك عن التصدي للدوشكا والقرنوف والثنائي، وكلها أسلحة استخدما الجنجويد ضد ضحاياهم زعما منهم أنهم إنما يقاتلون من أجل نشر الديمقراطية وتحقيق العدالة وبسط الأمن وقد كذبوا فيما قالوا وفعلوا.

ورداً على مقال الدكتور البوني كتب الدكتور عبد الرحمن كرم الدين ما نصه: “قرأت ما سطره البوني ووجدته قد لامس شغاف القلب بصدقه في التعبير وعمقه في التحليل ونصائحه الصادقة، ومقاله جامع لكثير من الأفكار التي تصلح كل واحدة منها لأن تكون عنوانا لمقال كامل عن هذه الحرب التي أظهرت فيها المليشيا أبشع صورة في تاريخ الحروب بما في ذلك حروب الجاهلية، مما جعل البوني يصدر عن نفس مكلومة وأوجاع وآلام نفسية غائرة، ومع ذلك أوصى الجميع بضرورة تسجيل التاريخ لأن من رأى ليس كم سمع”.

وفي تعليقها على مقال البوني كتبت الزميلة الأستاذة سامية فضل خليل” عملية التوثيق لما حدث في السودان، كما أقترح بروفسور البوني، واجب وطني ملزم لأصحاب الأقلام وكتاب الصحف والمؤرخين ليرى العالم ويدرك ما عايشه شعب السودان من قهر وسرقة ممتلكات وتشريد أسر كانت آمنة مطمئنة”. وعلق الدكتور الصاوي يوسف بقوله: “بعد الحرب نحتاج عمل كبير لمعالجة الجروح والاختلالات النفسية والاجتماعية المهولة التي خلفتها اعتداءات الجنجويد وفظائعهم”. وقاتل الله من تسببوا في مأساة هذا الشعب الطيب فقد تغيرت حياته، وانقلبت راسا على عقب واضطربت أحواله وفقد الدواء والمأوى وماء الشرب، والأمن، والطمأنينة، والاستقرار.

مقال دكتور البوني بعنوان “شمال الجزيرة في حرب السودان” جدير بالقراءة فصاحبه رجل لا يمل وهو معروف برزانة الكلمة وروح الدعابة وعمق الموضوع وقد جمع كل ذلك في مقاله الذي بين أيدينا، وكتب بأسلوب لا يضاهى مطلقاً، ولكنه جعلني أعيش في حالة من الأسى والحزن المرهق نفسيا لما أصاب قومي في كل ربوع الوطن الحبيب من لأواء على أيدي المليشيا الباغية وأعوانها، ولكن الآن دارت عليهم الدوائر وذاقوا كأس المنية على يد قواتنا المسلحة التي تخوض معركة الكرامة بكل ما أوتيت من قدرة واقتدار وبإذن الله سيعود السودان نظيفا كصحن الصيني من دنس هؤلاء الأوباش، وابشرك يا أستاذنا العزيز عبد اللطيف البوني بأن الجزيرة ستعود سيرتها الأولى وتزهر فيها لوزات القطن وينبت الزرع أخضراً وتمتلأ سنابل القمح وتعمر القرى قريباً بحول الله وقوته، وأنا مسامحك عما أثرت في نفسي من اشجان فكلنا في الهم شرق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى