دائرة الأبالسة
قراءة: د/خالد المبارك
رواية رفعت شعارات الثورة قبل اندلاعها بسنوات
تهتم الجامعات في الدول المتقدمة بالأبحاث المتعلِّقة بالأدب والفن، ويتابع الأساتذة المختصون ما يُنشر من نتاج جديد، فيعلِّقون عليه، ويحللِّون. يلفتون الأنظار للفريد، ويتجاهلون الغث.
نعترف بان أداء الأكاديميين السودانيين لا يزال بحاجة لدفعة جادة، رغم وجود إشراقات مثل “بيت الشعر” في جامعة الخرطوم.
اضطلع الأساتذة العرب الزوار بدورٍ حميدٍ بداية بالدكتور محمد النويهي. تلاه الدكاترة: إحسان عباس، وعبد المجيد عابدين، ومصطفى هدارة، وعز الدين اسماعيل، والدكتورة سلمى الخضراء.
تصدت لملء الفراغ عندنا مبادرات أهمها جائزة الطيب صالح التي اكتسبت مكانة خارج حدودنا.
من الأسماء التي قدمتها هذه الجائزة الكاتب محمد الخير حامد، الذي فاز بالجائزة سنة ٢٠١٩م عن رواية “دائرة الأبالسة” التي أكملها قبل خمس سنوات من الفوز المستحق.
موضوع الرواية هو الفساد المالي والسلوكي في مؤسسة كبرى. ينال “عاصم” وظيفة بمؤهلاته، ويثبت تفوُّقًا في العمل. يقع في حُبِّ “أريج”، التي تتردد على العمارة، دون أن يدرك أنها بنت المدير العام. ينقسم الموظفون إلى قسمين: المشاركين في الفساد، والآخرين. ومنهم جماعة المغضوب عليهم. يتستَّر الفاسدون بالصلاة الجماعية داخل المؤسسة، ويقوم بعض صغار العمال بممارسة الشعوذة للتاثير علي المدير ااعام. يُصادق “عاصم” الشاب الذي يغسل العربات واسمه “يونس”. لم يكمل تعليمه لكنه اكتسب مهارة في التعامل مع الهاتف المحمول. يساعد “يونس” “عاصماً” على فك مغالق الهواتف فيكتشف الأهوال، عن نطاق فساد يرد فيه اسمه شخصياً، بمبالغ لم يتسلمها. يكتشف أيضاً أن صحيفة “صوت الجماهير” التي تصدَّت لنشر أخبار الفساد جزءٌ من الفساد.
لن أفسد على القُراء إكمال المطالعة بذكر الطريقة التي تصرّف بها عاصم ضد “دائرة الابالسة” في المؤسسة.
المؤسسة، هي السودان. والفساد، والشعوذة باسم الدين، كانا، ولا يزالان سلاحاً بيد حزب معين في المجتمع، ذُكر في الرِّواية كــ”الحزب الحاكم”.
الراوي المراقب ليس “عاصم”.
برع الكاتب في الانتقال عبر المواقف والأشخاص، دون إبانة، لكننا نجد علاقة متينة بينها كلها، بخيوط خفيّة، تمنح السرد وحدة ولذَّة.
تبدأ الرواية بهاتف من “أريج” ابنة المدير العام، وتنتهي بــ”أريج” والمدير العام، وبينهما” عاصم”. من أهم معالم الرواية أن الهاتف المحمول له دور محوري، ونتذكَّر أن كاتبنا العبقري الطيب صالح لم يتعامل مع الهاتف المحمول حتى وفاته.
يحمد للكاتب الموهوب أنه لم يصوِّر عاصماً كملاك، لم يتلوَّث، لكنه مثل الشباب الذين هبّوا وتظاهروا حتى أطاحوا النظام.
أشيد بلجنة التحكيم التي منحت “دائرة الأبالسة” الجائزة. وأتمنى مراجعة بعض الهنات التي لا تخلو منها رواية أولى عند النشر الذي آن أوانه. وأذكر في هذه المناسبة الصديق الراحل مؤسس مركز عبد الكريم ميرغني محمود صالح عثمان صالح.