رسالة الى الفريق البرهان
البحث عن إرضاء الكثرة من رعاياك أو أنتظار التوافق فيما بينهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء ، ولن تدركه أمانيكم ولا أماني الذين أردت إرضاءهم مهما فعلت ، فلن يرضي عنك الناس ولن يجمعوا عليك ولا علي شيء من عندك ، لأنهم جبلوا علي الاختلاف ولذلك خُلِقوا ، وقديماً قيل أعرف الحق تعرف أهله ، والحق هو المرجعية الأساس في هذه الدنيا ( يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلْنَٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلْأَرْضِ فَٱحْكُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ) والحق الذي أنت مطالب بإتباعه ليس عبقريةٍ من عندك ، انما هو عُرف تعارف عليه الناس من خلال تجربتهم الإنسانية التراكمية الطويلة والتي أذهبت بأهواء الناس وبزبد التجربة جفاءً ،وتركت علي الأرض ما ينفع الناس من أعراف ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) والإعراض عن الجاهلين ضرورة ، والمتتبع للمسيرة الإنسانية يجد أن الإنسان في حالة معرفية دائمة ومستمرة – والمعرفة مشتقة من العرف – فأعراف اليوم بلا شك أفضل من أعراف الأمس وإن الغد أفضل من اليوم ، وهكذا أسست التجربة الإنسانية اعرافاً وتقاليداً وقيمًا لها في الحكم واصبحت هذه الاعراف نظرية إنسانية تأسست عليها نظريات إجتماعية واقتصادية وسياسة معاصرة ٠
ليس هنالك خلافاً قط علي قيمة الحرية والعدل والمساواة والسلام وكل مكارم الاخلاق ، كما أن هنالك وسائل تعارف الناس عليها بالممارسة يديرون بها شئونهم السياسية ، فالديمقراطية ليست قيمةً في حدِ ذاتها ولكنها أفضل وسيلة لممارسة قيمة الحرية إذا توفرت لها الظروف ، ولذلك من الأوفق أن تتخذ ياسعادة الفريق من التجربة الإنسانية مرجعية لك بدلاً من هوي الرجال الذي وقعت فيه الآن ، ودعنا إبتداءً نتخذ من قيمة المساواة منصة للانطلاق إذ كل الذين يحملون أرقاماً وطنية فهم قولاً واحداً سودانيين متساوون في الحقوق والواجبات مهما كانت جرائرهم ، وليس لأي إنسان في وطنٍ ما و مهما كانت قيمته أن يتطاول علي آخر يشاركه في المواطنه حتي وإن كان هذا المواطن فساداً يمشي علي رجلين ، ثم تأتي قيمة الحرية ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وهذه الآية في تقديري منتهي إطلاقها الأعلى هو الأيمان أو الكفر بالله ، وإذا كان هذا الإطلاق متعلق بالخالق فما بالك بالذين هم من دونه ويقول تعالي ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال ) والكافرين في هذه الآية هم الذين كفروا بالحق المطلق كقيمة ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ).
وإذا أردت مصلحة شعبك حقاً ياسعادة الفريق فالتزم الحق في معناه المطلق في المساواة والحرية والعدل والسلام ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الإصلاح ، وهذه الأعراف والقيم أصبحت مرجعيتها بالضرورة وثائق في مؤسسة الأمم المتحدة ، وأعجب لهولاء الخواجات الذين هم بطرفكم اليوم فهل هم يقبلون أن تُمارس في بلادهم ما يأمرونا به الآن في بلادنا ، صدقني يا سيادة الرئيس أنه لن يرضي عنك اليسار إذا اتخذت من اليميبن هدفاً لإرضائهم ، كما لم يرضي عنك اليمين إذا اتخذت من اليسار هدفاً لك لإرضائهم كذلك ، وهذا هو إبتلاء السلطان فعليك بالحق سبيلا للاصلاح العام والله من وراء قصدي والهادي الي صراط مستقيم ٠