ثقافة

التصويرة بين الهرطقة العربية والواقعية

الشاعر/ علي محمد القيسي

التجريب في الأدب يشير إلى محاولة تجاوز الأشكال والتقنيات الأدبية التقليدية واستكشاف طرق جديدة في الكتابة والتعبير. يهدف إلى تحدي المألوف وتقديم أعمال أدبية مبتكرة وغير تقليدية سواء على مستوى الشكل (مثل البناء الروائي أو القواعد الشعرية) أو المضمون (مثل تناول مواضيع غير معهودة أو تقديم وجهات نظر مختلفة).
بعبارة أخرى، يمكن اعتبار التجريب الأدبي يقوم مقام مختبر إبداعي يسعى فيه الكاتب إلى اختبار حدود اللغة والسرد والشعر، بحثًا عن آفاق جديدة للتعبير الفني. قد يشمل ذلك استخدام تقنيات سردية غير خطية، أو دمج أنواع أدبية مختلفة، أو اللعب باللغة بطرق غير تقليدية، أو حتى كسر قواعد النحو والإملاء بهدف فني.(1)
من منطلق التجريب بين اليابانيين المباح لا جرمَ ان يكمن سؤال هل التجريب ألغى المقطعية أو الاختزال ” التكثيف ” أو البنية في النص ؟
أن الخط العام في صيرورة الهايكو موجودة إنما الاختلاف في الفحوى مثلا كان باشو يتقبل التعكز على الميثولوجيا والإيحاء وإلى قصص واحداث وأماكن
وشيكي اعترض على وجود فلسفة واسس للواقعية والآنية أي أن قبل شيكي كانت الآنية تحصيل حاصل بل ان كم هائل من النصوص هي ذهنية بالأساس.
وكذلك بانيا اجتاز الواقعية نحو المجاز المطلق بالتالي جميعا لم يخرجوا عن اساسيات الهايكو البنيوية واللغوية .
اعود الى تجريب بانيا الذي تأثر به بعض الذين لا يستطيعون كتابة الهايكو وفق الواقعية أو الشاسيه
أن تجربة بانيا ليست تجريب بالمعنى الحقيقي إنما هو كتابة ضمن المعتقد الديني لاختلاف الديانة بين بانيا وباشو وشيكي اي بالحقيقة بحث عن بعض تيمات النص أو إيحاءات النص نجد الصورة المجازية والإيحاء طافحة في نصوص بانيا وهي مدلولات ثقافية ضمن بيئة بانيا الدينية مثلا ودلالات صورية غير عقلانية أحيانا نتيجة تأثر بانيا دينيا واختلاطه بالعالم خارج اليابان وخصوصا دياناتهم وطريقة تعاطيهم الشعري لذا نجد الكثير منها هو عودة للهوكو والهايكاي بأسلوب اكثر سخرية وأكثر مجازا أما إذا اعتبره البعض تجريبا فهو بالتأكيد على خطأ لانه اسلوب غير مستحدث بل موجود سابقا كون الحديث عن النص الياباني يحتاج معرفة حقيقية بأصل النص الياباني قبل الترجمة . وليس الحديث عن نصوص بانيا المترجمة هذا من باب من باب آخر فإن بانيا لم يخرج من بنيوية النص الأصلي ولا من هيمنة اللغة الهايكوية الصارمة في اليابان

لذلك يمكن أن تكون عملية تطور داخلية تركز على تحديث وتجديد الأدوات والتقنيات المستخدمة ضمن البنية القائمة للجنس الأدبي. هذا النوع من التحديث يثري الأدب ويحافظ على حيويته وقدرته على التعبير عن التجارب الإنسانية المتغيرة. (2)

السؤال المهم هل مر العرب بالتجريب ؟ واذا مر العرب ما يمكن تجريبه على النص هل يشبه التجريب الياباني
مادمنا نحن بعيدين عن البنية الأصلية للنص . شكلا ومضمونا وهو جواب لسؤال من ثلاثة ” هضم التجارب السابقة والتمييز بينها ورصد تطورها والإنتاج فيها،” كيف اذا كانت التجارب السابقة غير العربية أيضا خارج السياق غير معترف بها من الأصل الكتابي للنص

اذ يقول محمد عضيمة في حوار قريب : الهايكو ليس يابانيا وحسب، بل هو اليابان نفسها، هو الاسم الآخر لبلاد الشمس المشرقة دون أية مبالغة. هو الدم الذي يجري في العروق، هو شكل من أشكال الدين المحلي غير القابلة للتصدير. فلن يصدق ياباني واحد أن هناك هايكو واحدا بغير اللغة اليابانية. وأي كلام غير هذا من جانب هذا الهايجين الياباني أو ذاك هو من قبيل المجاملة التي يتقنها الياباني بشكل عام. هذا ليس تيئيسا للهايجين غير الياباني، بل هو واقع ينبغي إدراكه وفهمه.

اما اذا كان المقصود التجارب العربية فلا يمكن اجمال الاستسهال الشاسع على شبكات التواصل كتجربة حقيقية فالنص مازال يدور في فلك النوادر من النصوص التي يمكن تطبيق بعض الخصائص عليها .

التسمية المحرمة:
من الممكن تمامًا توطين جنس أدبي مرتحل تحت مسمى جديد. هذه العملية تحدث بالفعل في تاريخ الأدب وتعتبر جزءًا من تطوره وتفاعله بين الثقافات المختلفة.
ماذا يعني “جنس أدبي مرتحل”؟
يشير إلى جنس أدبي نشأ في ثقافة معينة ثم انتقل وتأثر بثقافات أخرى، مما أدى إلى تحوله وتكييفه ليناسب السياق الجديد. قد يحتفظ الجنس الأدبي ببعض خصائصه الأصلية ولكنه يكتسب سمات جديدة تعكس القيم والتقاليد واللغة الخاصة بالثقافة التي استقر فيها (3)
حين كتب العرب الهايكو باشر الجميع بتغيير التسمية فصار المرادف “هايكو عربي ” اي ان العرب من البداية شرعوا بتغيير الاسم إذ لم يكن في العالم هايكو انكليزي ولا فرنسي ولم نجد مرادف يتبع كلمة هايكو على مدى قرن سبق العرب في كتابة هذا النص ام أن العرب سابقا كان لهم تجريب حتى صار هناك هايكو ثم هايكو عربي ..
أن قضية تجريب العرب “ان وجد” بأغلب الأحيان هو نزوح نحو الشذرة والومضة الذي كنا نحاول بالبداية فك الارتباط معهم لتخليص الهايكو من تبعية الأجناس الأخرى بالتالي الوصول إلى نص مشهدي نقي نوعا ما عن باقي الأجناس . (4)
لذا من هذا المنطلق لا يمكن تسمية محاولة البعض بالتجريب ولو على مستوى اللغة إنما هو انتقاء جنس مغاير وعودة الارتباط بالوجيز من جديد .
ما يمكن تقديمه كعرب من الخصوصية فقط بتغيير الاسم والمزاوجة ما بين اسلوب الهوكو والهايكاي والشاسيه طالما لا يستطيع النفاذ من البنية الأصلية لعدم تشابه الأسلوب الكتابي بين اليابانية والعربية .(5)
ولأننا من الأساس سواء نحن أو كل أصقاع اللغات الأجنبية لا نكتب الهايكو إنما نسميه هايكو مجازا اي اننا نرتكب على مجازية الاسم صفة لصيقة اسمها هايكو عربي لإعطاء استقلالية النص لذا اجد هذه التسمية أشبه برغبة موجودة لدى الجميع بالتخصص والتفرد الفرق أن الجميع لم تكن له القدرة الصريحة لإيجاد تسمية يجتمع عليها الجميع لعدم الجرأة الإبداعية ربما أو يستهويه أن يطلق على ما يكتب ما ليس فيه
من الغباء فعلا أن نحدد كهن التجريب على نص عربي خارج الأفق النقدي فنحن العرب إلى اليوم لم نتفق على صيغة نقدية ذات محددات واضحة يمكن أن تعطي بالنص رأي محدد كجنس ادبي مادام لم نجد إلى يوم دراسة اسلوبية محددة دون الخوض في عمر النص وتقاطعاته التي تعيق ظهوره للسطح الثقافي العربي كجنس معترف به خصوصا أن أغلب الرسائل الأكاديمية السابقة اختيرت على اساس حدث ثقافي عابر غير اصيل ناهيك ان بعضهم يجد الخوض في خصائص النص ليس ذا أهمية ويكتفي بجمالية المشهد في النص “وهو كمن يطلق للريح طائرة ورقية مربوطة بشعرة ”
الخلاصة
وجدت من الملائم وضع النقاط على الحروف بتغيير التسمية والعمل على مقالات تحقق الاسلوبية المنشودة مستقبلا في تقبل النص عربيا على أنه منتج عربي اتخذ شكلانية الهايكو ببلاغته المشهدية على شكل ثلاثية مشاعة بالثقافة العالمية واعتقد اني وفق هذه المعطيات في العراق نجحت إلى حد معقول باربع دراسات أكاديمية بفرض اسلوبية التصويرة كبديل عن تسمية الهايكو المجترح عربيا وهذا هو تكليفي كمتصدي للنص منذ عقد واكثر.

المصادر
“معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة” للدكتور محمد عناني.
“تشريح النقد” لنورثروب فراي
كتاب الأدب المقارن عبد الحميد إبراهيم
(الهايكو العربي) ما له، وما عليه مقاربة بين (الومضة الشعرية) و (الومضة القصصية) مجدي شلبي
نفس المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى