أليس لهذه الثورة أدب؟
-
لا أدري في أي بقعة محددة بالضبط حدث اللقاء ولكنه قطعاً بأمدرمان ،وما أدراك ما أمدرمان !! أما الزمان فقد صحوت فجأةً عند الثانية والنصف وسبع من الدقائق صباح اليوم ، وبدأت أرجع بالذاكرة لذلكم المشهد العظيم الذي تمثل في رؤية منامية رأيتها ، وكنت قبل هذه الرؤية ولا زلت أتساءل أين الأدب والثقافة والفنون في بلادي بعد ديسمبر !! وأين أدب الثورة ذاتها ؟ هل هو من جنس ذلكم الأدب التافه كنداكة جات بوليس جري ، أم عاوز سفة ندردمها ليك !!
ظللت دآئم التفكير في هذه المساحة الفارغة والمهمة والتي تشكل وجدان أي مشروع سياسي والثورة بالطبع مشروع إجتماعي للتغيير تحتاج لأدب وليس تهريجاً كما أنها في حاجة ماسة لقيمة الجمال !! أحس بفقر شديد في هذا الجانب وبكآبة وضيق يكاد يقتلني !!فقد نضب المعين وطغت هرجلة الساسة بصورة نتنة وقذرة ومقرفة ومقززة ،.
-
- فتقدنا بسلوكهم هذا لغذاء الروح وافتقدنا كل فرق الأصدقاء الثقافية !! وكل الجمال معنيً واسماً فأين يا تُري جمال حسن سعيد وجمال عبدالرحمن وكل هولاء الجميلين من المبدعين الذين كانوا يملأون الساحة حلاوةً وطلاوة ؟ لا تكاد تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا !! ولم أعد أري تلكم اللافتات الطوال الممتدة بعرض الطريق كما هي ممتدة في وجداننا تلكم اللافتات والتي تدخل فينا الفرح والسرور والغبطة مجرد أن نراها من علي البعد تعلن عن مسرحية في قاعة الصداقة أو المسرح القومي أو أي قيمة ثقافية في مكان آخر !!
رأيت نفسي في ذلكم الحلم في إجتماع كبير ضم كل أهل الفن والأبداع السوداني ضحكنا فيه وبكينا من الفرح وغنينا كما لم نغني من قبل ( أنا سوداني أنا ) كان فرحاً كبيراً جداً تحت عنوان عرس السودان ، شهده كل مبدعي بلادي الأموات منهم والأحياء ، الصغار والكبار النساء والرجال فقد قضيت جل وقتي مع النعام آدم والأمين عبد الغفار ومحمد نعيم سعد واستاذي شرحبيل أحمد والطيب صالح !! لم يسعنا عند الخروج باب المكان من الكثرة فالتصقت أجسادنا كما هي أرواحنا لينةً هينةً رطبةً تفوح منها رأئحة الوطن الزكية ، كل اثنين أو ثلاث منّا ونحن خروج يحدث بعضهم بعضاً وتعتلي وجوههم البسمات العراض يضحكون بأعلي أصواتهم ورغم كل هذا الزخم كان الحديث واضحاً وجميلاً ومتسقا ومدوزناً ( إيدينا يا ولد إيدينا للبلد ) .
و يبدو لي أن خروجنا كان علي شارع النيل أمدرمان مباشرةً مما يرجح أن اللقاء كان في واحدة من المؤسسات الفنية العملاقة في هذا الشارع والتي أصبحت نسياً منسياً !! وبعد أن صحوت وأعدت ذكري وشريط هذا الحلم تأكد لي تماماً أن هولاء الساسة البلطجية لم يختطفوا منّا ثورةً ولا دولةً فقط ولكنهم أختطفوا منّا ماء الحياة بأكمله ، ولم يقص فيهم أحدٌ أحداً كما هم يتخاصمون ويدعون بل هم جنس وآحد ، إنما أقصوا بل اقتلعوا أهم قيمة في حياتنا من جذورها وهي صناعة الفرح واللطف وغرسوا مكانها الحقد والكراهية ، كما اقصوا تماماً المصلحة العامة من مشروع الدولة وأصبحت المصلحة الخاصة والمحاصصات هي مرتجاهم بل وللأسف يعترفون بهذه القيمة السالبة حينما يدونون ذلك في أدبهم قليل الأدب ( لا نريد حكومة محاصصات) وكأن حكومة المحاصصات هي أحد الخيارات المطروحة ٠
يظل السؤال قائماً أين أدب هذه الثورة وقيمها الإنسانية ، واين مشروعها الاستراتيجي الاجتماعي الذي هو بالضرورة منصة الانطلاق لكل مشروع آخر ؟ اللهم اهدنا صراطك المستقيم ٠