ثقافة

الفيلم السوداني (وداعاً جوليا ) تحت منظار الناقد د/ مصطفى عطية

ناقش استديو الأربعاء بمصر بالتعاون مع نادي الكويت للسينما في مقر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب يوم 11 سبتمبر 2024  الفيلم السوداني المثير للجدل

(وداعاً جوليا)  حيث شارك في النقاش و تحليل الفيلم الدكتور مصطفى عطية

و قال عطية أنه ذكر في مداخلته أن الفيلم رائع، ويعبر عن جيل سينمائي جديد في السودان، يمتلك الرؤية والمهارات والتقنيات، ويلتزم بقضايا المجتمع السوداني، وقد صيغ بلغة سينمائية بليغة، وبقصة معبرة، رغم أنه يتخندق فكريا في المنظور الغربي والأوروبي لقضية انفصال جنوب السودان، وما صاحبه من خطاب عنصري متعصب، أشعل النفوس، وغرس في القلوب مرارة الأحقاد، وتسبب في تمزيق وحدة السودان.

 

ويسرد عطية احداث الفيلم التي تدور حول شخصية منى ( الممثلة السودانية ايمان يوسف)، وهي امرأة شمالية مسلمة، تعيش مع زوجها أكرم، وهو من الشماليين المقيمين هناك. ويبدو من المشهد الافتتاحي للفيلم مدى عدم انتمائها للمكان. ونفهم، مع تطور الأحداث، أنها تنازلت عن شغفها وحبها للغناء، حتى لا تفقد زوجها، بل أجبرها على ترك الغناء، في إشارة إلى أن دالاغتراب، بوصفه أحد أهم أسس الوجود السياسي السوداني الحديث، وأن أكرم الزوج شخصية تقليدية متسلطة، ويتمتع بجانب من الثراء، فهو يعيش في فيلا، ويركب سيارة مرسيدس فخمة، وكذلك زوجته منى.
تكذب منى على أكرم، وتذهب لحضور حفلة غنائية لفرقتها السابقة، التي منعها أكرم من متابعتها، وفي طريقها تصدم بسيارتها الطفل الصغير دانييل، أمام والده، الذي يقرر محاسبتها على فعلها، يرعبها ذلك فتهرب، وتخبر زوجها أن هناك جنوبيا يطاردها. مجرد سماع جملة: “جنوبي يطاردني يا أكرم!”، كان كفيلة بجعل الزوج يصوّب فوهة سلاحه في وجه الجنوبي، أبو الطفل، ليقتله بدون تردد.
تبدأ هنا رحلة منى مع الإحساس الذنب، الذي سيجعلها تبحث عن أم الطفل، جوليا؛ ويصل بها الأمر إلى أن تأويها في منزلها، مع ابنها المصاب، بصفة خادمة. يلازم الكذب منى دائما، تغيّر الحقائق بلا توقّف، خوفا من العواقب، مثل تمسّكها بالغناء، جريمتها بحق الطفل ووالده، أو حتى هوية السيدة التي جلبتها إلى منزلها.
يواصل عطية أنه مع الوقت تتطور صداقة قوية بين منى وجوليا (الفنانة الجنوبية سيران رياك)، تفعل الأولى كل ما بوسعها لتعويض الثانية عما فقدته بسببها. للوهلة الأولى، نتعاطف مع منى، فهي سيدة تعيسة، لا تدري معظم ما تريده من الحياة، ولا تحصل على ما تعرف أنها تريده. تعيش في واقع اجتماعي، تظن أنها ترفضه وترفض قسوته، ولكنها، مع ذلك، جزء منه، ومستفيدة منه بشكل أو بأخر، تجد نفسها أمام موقف صعب نفسيا، ولذلك تختار الكذب. لكن هذا التعاطف سرعان ما يتبدد مع تصاعد الأحداث، بسبب ما يبدو من شخصيتها النرجسية، التي، وحتى المشهد الأخير، تظن أن العالم كله يدور حولها، وحول ما تريد فقط، تمرّ الأعوام دون أن تفكّر بمصارحة جوليا بالحقيقة، اعتقادا منها أن كل الأمور عادية.
وينتهي الفيلم بأن جماعة الجنوبيين يحضرون ويتهجمون على أكرم لأنه أخطأ في حق أحدهم، ويصفعونه، ثم يعلنون أنه قتل والد دانييل، ولم يحاسب.
في خلفية الفيلم، نجد إشارات إلى قرنق الزعيم الجنوبي، وإلى الاستفتاء على فصل الجنوب عن الشمال، وتأييد الجنوبيين، ويتحول الطفل دانييل إلى شخص يحمل السلاح لينتقم من قتلة أبيه.
فيما يرى عطية ان بالفيلم إشارات بصرية وسينمائية عديدة، تبرز الأسباب النفسية والسياسية والفكرية والاجتماعية لقضية الجنوب، وترجعها إلى الشمال العربي المحتل للجنوب الزنجي،  الا انه يقول :في الحقيقة أن قضية الجنوب أشعلها الاستعمار البريطاني، لتفتيت السودان، واشتدت مع سوء الإدارة من قبل الشمال، مما أشعل الحركات الاحتجاجية التي انتهت بالانفصال، ثم اشتعلت الحرب الأهلية في الجنوب بعد الاستقلال.
وفي الختام وضع عطية اللوم على الخطاب العنصري، والتعالي،الذي قال انه يفسد النفوس، مؤكداً أن الخطاب الوطني يجب ان يكون جامعا لعناصر الأمة، قائما على المساواة والعدالة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى