الحسين الحسن بين الفنون والقانون …بقلم /أمير أحمد حمد
الشاعر الذي لا يجيد السكوت
شاعر صارم القسمات وضئ الكلمات اذا داعبته العيون تداعي وان دغدغدته الشجون انفجر
يبدو ان الانفجار القلبي العاطفي ومداعبة العيون الي حد التداعي موروث في اسرته الكبيرة فقد انفجر قبله من اسرته الشاعر والمربي الاستاذ العوض احمد الحسين حينما دوي انفجاره العاطفي من داخل حنجرة قيثارة الفن السوداني الموسيقار تاج الاولياء مصطفي الشهير بالتاج مصطفي عندما صدح برائعته با نسيم ارجوك روح لها وحيها
بالغرام البي والشجون احكيها
ان تصادف وكانت نائمه لا تصحيها
كون كتوب من عفه بالحنان غطيها
ان ابت او صدت دعها تتبع تيها
وهي جاهلة وديعة رقيقه راقيه نبيهه
كانت اول عمل خاص يمتلكه التاج مصطفي ويا له من عمل فقد جدد الامل في فنان يعيد امجاد الاغنية السودانيه ويزيدها حلاوة وطلاوة ونداوة بعد اندثار اغاني الحقيبة .
شاعرنا خرج من نفس المشكاة التي خرج منها العوض احمد الحسين انه الشاعر الحسين الحسن ابن النهود ميلادا وابن جزيرة ارتولي اجدادا فاصول اجداده القريبه من تلك الجزيرة ارتولي الشريفة والتي ازدادت شرفا وتيها عندما اختار الميرغني الكبير منها اما لابنه علي الميرغني تلك المنطقة المباركة التي تشابكت فيها الانساب الطاهرة فكانت موطنا للجعلبين والاشراف والانقرياب والانقرياب هم اهل السيد علي الميرغني ينتمون في اصلهم الي قبيلة العبدلاب اهل السلطنة الزرقاء وفي جزيرة ارتولي يرقد ضريح جد الشاعر الحسين الحسن الفكي محمد الحسين الذي لعب دورا هاما في نشر وتحفيظ القران في المنطقة القريبه والبعيدة من ارتولي .
الشاعر الحسين الحسن تجاذبت روحه بين القانون والفنون فكان شاعرا وفنان يعزف علي العديد من الالات الموسيقبة ببراعة فهو خريج قانون جامعه الخرطوم ولكن اذا ما نظرت اليه تجده صارما جادا وليس فيه شيئا من الشاعرية والابتسام ويبدو ان القانون والعسكرية التي تقاعد عنها برتبة لواء في القضاء العسكري قد اثرت فيه ولكن يزيل عنك كل هذا اذا دخلت في عالمه الشعري تكاد لا تصدق وتومن تماما بتلك المقولة الشهيرة (المظاهر خداعة)فهو يحلق بك في فضاء غزلي رهيب حيث لا امنيات ولا كائنات تمر متخذا مجلسه فوق قمم السحاب وهو ينظر للبروق حينما تبرق والتي تضئ من اجل فرحته وفؤاده نغم صويدح غيداق وصدق حينما قال في قصيدته (اني اعتذر )الشهيرة بحبيبة قلبي والتي تعتبر ايقونة الغناء السوداني والتي شدا بها العملاق كابلي :
انا شاعر لا اجيد السكوت وقلبي ضعيف رهيف الجدر
اذا داعبته العيون تداعي وان دغدغدته الشجون انفجر
تجرع من صمت الكاس مرا وذاق من الكبريأء الامر
فعلاً انه شاعر يبدو كما ذكرنا في اول المقال ولكنه جهر بصوته عاليا في شعره
وعندما سمع صديقه الاديب الاريب سعادة الفريق ابراهيم احمد عبدالكريم ببيته الذي الذي لم يغنه كابلي انا شاعر لااجيد السكوت (ياخي انت رب السكوت ذاتو)
واغنية حبيبة عمري تفشي الخبر ذاع وعم القري والحضر
وكنت اقمت عليه الحصون وخباته من فضول البشر
صنعت له من فؤادي المهاد ووسدته كبدي المنفطر
تعتبر من جميل الاغنيات السودانية كما ذكرت ولكن للاسف هنالك ابيات لم يذكرها كابلي حينما تناولها باللحن ربما كانت عصية علي اللحن او لربما لشئ في نفس كابلي
في هذه القصيدة اعتذر فيها شاعرنا لمحبوبته لانتشار خبر حبهما في البادية والحضر ولكن يقيني ان الشاعر نفسه قد ساهم في انتشار الخبر في قصيدة كتبها عام 1958سابقة لقصيدة حبيبة عمري التي كتبها عام 1960وقد اطلق علي القصيدة اجمل البنات وصف فيها محسانها رغم تاكيده بمعرفتها اذا ما قام بوصفها ماذا قال:
اذا وصفتها ستعرفونها
ستعرفون انني اقصدها بالذات
لانها علي الاطلاق اجمل البنات
لانها اجمل مافي الارض من اشياء
بل انها اجمل ما في الارض والسماء
اليس هذا الوصف بداية للجهر بحبها بل تمادي في ذلك فقال بذات القصيدة:
اجمل من ملاك
يختال في غلالة من نور
احمل حتي من بنات الحور
فالشمس من عيونها تغار
وجيدها يحسده النهار
ومازال شاعرنا مستمراً في افتضاح امره بذكر العديد من محاسنها فكان عموم الانتشار والذيوع
والليل
من شعرها قد سرق المداد
فلون الوجود بالسواد
ولونها عجب
لو قلت منه يصنع الذهب
لو قلت منه تبرق النجوم والشهب
القصيدة طويلة ولكن ما ذكرناه منها يجعلنا ان نتهم الشاعر نفسه بذيوع الخبر وانتشاره حيث يبدو ان الشاعر افاض في الوصف بل رسمها رسما افضي الي معرفتها كما ذكر حقا ولذا جاء بقصيدة الاعتذار .
ولكن رغم انتشار الخبر لم ينقطع او تنقطع عنه فاذا الود بينهما متواصلا والخطابات الغرامية بينهما تترى فقد ارسلت اليه خطابا كتبته باناملها التي وصفها بالتنمق خطاب جعله يحلق في الفضاء فوق السحاب ينظر الي البروق وهي تبرق وهذا خطاب اعتبره قد ساهم في تشكيل الوجدان السوداني وكان سببا في ظهور اغنية( دائما معي)الشهيره ب “اكاد لا اصدق ”
اكاد لا اصدق
يا انت
انني اكاد لا اصدق
اهذه الحروف كل هذه الحروف
صاغها (خطها)بنانك المنمق
بنانك المنعم المموسق
لا غرو
انها تاتلق
انها تمور بالعببر تعبق
وانها تجعلني احترق
اسطرها بحر اشتياق
موجه يصطفق
في لجة اضيع راضيا واغرق
انني اكاد لا اصدق
اكل هذه الخروف لي انا ؟انا؟
اواه ما اضيق هذه الدنى
لانني من فرحي اطير في الفضاء احلق
اجلس فوق السحاب والبروق تبرق
كلمات مموسقات جاءت علي لسان عبدالكريم الكابلي والبسها لحن بديع يتناسب مع كلماتها العذبة السلسة رغم صعوبة مخارجها لكنها تحمل جرسا لفظيا ساعد علي لحنها البديع .
وقد جمعه مع كابلي عمل ثالث اشار فيه لنفسه برمزية يحسد عليها قصيدة(طائر الهوي)كتبها وهو في لندن حينما ذهب اليها بغرض دراساته العليا في القانون وقد زينها وجملها بريشة عوده الموسيقار بشير عباس والغريب كل اغنيات كابلي من الحانه عدا هذه القصيدة وازيد عليها الاغنية الثورية (هبت الخرطوم في جنح الدجي) التي كتبها له الشاعر عبدالمجيد حاج الامين ولحنها الموسبقار عبد الله عربي وعلي ذكرالشاعر عبدالمجيد يجدر بنا ان نشير بان الاخير قد ربطته بكابلي والشاعر الحسين الحسن وشقيقه تاج السر الحسن والشاعر صديق مدثر وغيرهم من المثقفين جمعية عرفت ب(اخوان الصفا)ليست جميعة تعاونية للمواد التمونية بل جمعية للمواد الابداعية وكان رسم الدخول لها تذكرة ابداعية بان تاتي بقصيدة او قطعة نثرية او اي نوع من انواع الابداع وكانت هذه الجمعية برئاسة الاستاذ محمد عثمان جربتلي .
الشاعر الحسين الحسن شاعر جدير بان نعمل حول شعره دراسات ادبية فخيمة لانه فخيم العبارة متمكن من ناحية اللغة اختار لقصائده كلمات تتجانس مع بعضها البعض كتب الشعر بنوعيه العمودي وشعر التفعيلة وفي كليهما تنبعث موسيقي كلماته .
طبعت له دار جامعة الخرطوم للنشر عام 2004ديوان شعر حمل عنوانه (حبيبة عمري)يقع في 83صفحة حوي 22قصيدة فهو ديوان جدير بالاطلاع عليه لكي نقف علي جميل ما كتب الحسين الحسن نسال الله له الرحمة والمغفرة