محمد ميرغني البديع غناه سبانا
تغتمض عيناه حينما يغني و تحتشد دواخله بانغامه الشجية التي ربما كانت سببا في ذلك الاغماض البصري فحقا يستحيل أن تستمع إلى أغنياته وانت مبصر العينين وان لم تغمضها فتسرح بخيالك إلى عالم من الطرب والاندياح والسرحان في مدلوله اعمق من الاغماض في إدراك الاشياء:
انا والاشواق فى بعدك
بقينا اكتر من قرايب
ما بنغيب عن بعض أبداً
اعز اتنين حبايب
كنت فاكر الشوق
يغيب لحظة واحدة
عن فؤادى
مع الزمن يتلاشى وجدى
قلبى يسلاك فى بعادى
وشوقى قال لى مستحيل
مرة يتحقق مرادى
ولازمنى زى خلى الوفى
بهذه الكلمات الرقيقة واللحن الوسيم كانت بدايته الفنية ويالها من بداية كتبت ميلاده الفني في سجل الإبداع والنغم السوداني المعتق كتبها بخط نغمي صححه المستمع والمتذوق السوداني فنال درجة الامتياز.
واردفها بسطر نغمي آخر من نفس المنهج السابق (الشاعر السر دوليب والملحن حسن بابكر):
مين فكرك يا حبيبي مين الهداك اليا
جرحى قرب يطيب جددته تانى عليا
انا قلت حبنا راح مر الزمان وطواه
والباقى منة شجن وعذابنا فى ذكراه
لقيتة اكبر حب بين القلوب ماواه
ماقدرت يوم انساه ولا هان على اسلاه
لكنى رغم البين رغم الفراق الطال
كانت مشاعرى تقول ابدا فراقنا محال
ما ليا غيرك شريك ما ليك غيرى ماال
جمعت قلوبنا محبه ربطت حياتنا امال
يا حبيب كفانا خصامنا كفاناهم وضنا
ما بتقدر انت تلومنى وما بعاتبك انا
جاءت الكلمات مموسقه وتحمل في طياتها بوادر لحنها الأنيق استخرجه كما ذكرنا الفنان والملحن حسن بابكر مستخدما انامله الأكثر أناقة عندما تداعب مزهره ليس مستغربا أن يأتي بهذه الألحان الشجية لأنه كان تشبع بجميل الأنغام حينما كان عازفا للكمان في فرقتي عثمان حسين ومحمد وردي فارتوت دواخله بجميل النغم فكان شلالا قد انفتح عبر حنجرة فنانا الفخيم.
وعندما تأكدت موهبته الفنية بين جلاسه وحاشيته المحيطه به واثنوا على توجهه بخطى ثابته إلى اجازة صوته وكعادة فناني ذلك الزمان كانت تجاز أصواتهم بأغنية عبد الحميد يوسف اذكريني ياحمامه ولكن فنانا لم يحلق في سماء اللجنة بتلك الحمامه ولكن صدح لهم بأغنية (اضيع انا وقلبي يزيد عناه) التي تغني بها إبراهيم عبدالجليل من كلمات بروف الأغنية السودانية عبدالرحمن الريح وبدأت الانطلاقة الميرغنية بصوت به حلاوة ونداوة انداح في الوسط الفني في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي وهو وقت ازدهرت فيه الأغنية السودانية فظهرت مجموعة من الأصوات الندية فكان ابوعركي والطيب عبدالله واللحو وغيرهم ولو لم يكن موهبا لما وجد مكانا بين هؤلاء العمالقة .
اختار أغنياته بعناية جعلتها مطلوبه بين الجماهير إلى يومنا هذا والي يوم غد بإذن الله فقد كان رجل من أهل التدريس ورجل لبيس في هندامه لذلك كانت كل أغنياته تتحلى بمفردات تعكس ما به من ثقافة والمام بما يريده معحبيه وعموم المستمع السوداني رغم أنه لم يكن ميالا للتلحين وكيف له أن يلحن والي جواره شلالا من الألحان المتدفقه كما ذكرت إعلاه الاستاذ حسن بابكر الذي ناصره في بداية حياته الفنية ولحن له أكثر من خمسة وسبعين في المئة من اغنياته فاكتملت اللوحة الميرغنية في مرسم الغناء السوداني بانضمام مجموعه من الملحنين فكانوا نقوش زينت اللوحة الميرغنية أمثال محمد سراج الدين والتجاني حاج موسى وعبدالله عربي والسني الضوي والعاقب محمد حسن وعبيد محمد احمد وغيرهم
وقيد الله لفنانا مجموعة من المع نجوم المفردة الشعرية في بهو الأغنية كما ذكرنا منهم السر دوليب فكانت انا والأشواق (الشوق والحبيب) ومين فكرك وصحيباتها.
وكان ود حدالزين إسماعيل حسن حضورا في دفتر اللوحة الميرغنية بعيونه التي لا تقدر على الهباباي في عز الليل ولكن عاد واشتاق إليها (اشتقت ليك) واردفها بالغريب وحنان الدنيا وأفراح البلد.
اما حسن الزبير صاحب المفردة المسربله بالحكمة والفكاهة فكان بين (الريدة) وتلك التي وصفها بأنها لاتفاصل ولا بتواصل ولا بتلوم فكان هلكاه منها قبل يومه فكان ( لا الصابر ولا الباكي) لأنه أصيب (بجرح الحب) اما صلاح حاج سعيد فقد جاء بالجديد فكانت الوصية لمن وقع في الحب (ما قلنا ليك الحب طريق قاسي ولهيب) ولكن المحب عصي أمره فكانت (لو عصيت أمرك انا) اما التجاني حاج موسى فقد جاء لفناننا ب (ليلتين علي) فكانت (تباريح الهوى) وأخواتها(حلو العيون) و(يا طير يا راجع لعشك) .
وهكذا كانت حاسة فناننا الذواقه جعلته يتنقل بين حلو الكلام وشجي الأنغام فغني لعدد وافر من الشعراء منهم السر قدور (حنيني إليك) وشاعر ضنين الوعد (سبأ) والشاعر ابو شورة حاضرا بعاطفته وحنانه وكذلك صاحب اللون الأنيق في اللوحة الميرغنية الشاعر حدربي محمد سعد (النازلة ماشه على البحر) والشاعر عثمان حالد (السمحة الصيدة) ومصطفى سند (عشان خاطرنا) وصلاح احمد ابراهيم (سهمك الفتاك اتلف المهجة.
ولا ننسى العنصر النسائي في بهو غناء فناننا الفخيم فكانت الشاعرة بثينة رجب حاضره فقد أقرت ب (احلى مافي الدنيا ريدنا) وآمنة خيري صاحبة قصة الريد القديمة فجاءت ب(شقى الايام) هؤلاء الشعراء علي سبيل المثال فهم كثر كما لا ننسى ان فناننا قد تناول عدد من أغنيات الحقيبه
كاغنية البديع هواك سباني لحن كرومة وكلمات ابوصلاح كما غني ارجوك يا نسيم من كلمات عتيق وألحان كرومه وغيرها من الأغنيات وقد ابدع أيما إبداع في أدائها فكانت سندا وعضدا له في مسيرته الفنية.
متع الله استاذنا الفنان ميرغني محمد ابنعوف الشهير بمحمد ميرغني بالصحة والعافية الامدرماني المولد والبحراوي الهوى