ثقافة

لا للقبلية ..لا للجهوية ..لا للعنصرية ..كلنا السودان

أوقفوا السيارة وسألوني من أي القبائل أنت؟

سدوا الطرقات، كانوا فرادا وجماعات، يحملون العصي والألم، والسكاكين والحزن، والأسلحة والندم.

أوقفوا تلك السيارة التشاركية التي تقلنا، كان السائق خائفا لا يريد أن يتوقف، وقفوا أمامه كالبنيان المرصوص، لم يستطع أن يهرب بتلك السيارة بعيدا.
الأطفال داخل السيارة لا يعرفون شيئا، فرحوا عندما توقفت السيارة، قال أحدهم:
“يا أمي حاننزل نشوف موية الخور”
وقال آخر:
“انا جيعان يا أمي، نازلين عشان نأكل”
وقال ثالث:
“يمة في حاجة سمحة الناس دي كتيرة كدا”

لم يعلموا أنهم ذاهبون بلا رجعة، راحلون بلا وجع أو ألم، يتبخرون بلا خوف أو ندم، يموتون فقط لأن الموت أراد أن يسلبهم الحياة بلا سبب.

كنت أجلس في الكنبة الأخيرة، متكئا على يدي اليسرى، مستمتعا بجمال المناظر الخلابة على طول الطريق.
ما إن توقفت السيارة حتى أتيت إلى المقدمة، فتحوا الباب عنوة، خرجت لهم كجني من جرة ساحر.
كانت أصواتهم تتداخل، كل شخص يصيح بما يراه.
“أقتلوهم”
“إنهم من تلك #القبيلة”
“لا أسئلوهم أولا”
“يجب أن يخرجوا كلهم أولا”
“فليتحدثوا بلهجتهم وسنعرفهم”
“اهدوا يا ناس”
“اضرب بس”
مئات الأصوات تتداخل فيما بينها، لم ينتابني الخوف، كنت أعلم إن الموت قد حل بنا، فجأة ظهر شخصا كأنه يقودهم، بادرني بالسؤال:
“قبيلتك شنو؟ يا زول هوي قول الحقيقة، نحنا بنعرفك لو كضبت”
قلت له:
“هذا السؤال لا يصح في هذا المكان وهذا الزمان”
قال لي:
“شكلكم عاوزين تموتوا”
كان بقربنا أحدهم يحمل سكينا، قلت له:
“ما تخاف، بوريك قبيلتي بس أديني سكينك دي”
قال لي:
“بنكتلك لو عملت ليك حركة جاي جاي”
أخذت السكين وجرحت بها يدي، وأصبح الدم ينزل بغذارة، وصحت بأعلى صوتي:
“ما هذا؟
أليس بدم مثل الذي عندكم، فصيلته هي نفس الفصيلة التي عندكم.
هل تحملون شيئا غير ذلك؟
وهذا الجلد الذي قطعته أليس هو نفسه الذي عندكم؟

كان الناس مذهولين كبيرهم وصغيرهم، ثم أخذت السكين ووضعتها في يد قائدهم، ثم رفعت صوتي:
“الآن سيشق هذا الشخص صدري، ليخرج من داخله قلبي، فلتروه هل هو قلب من الماس أم من ذهب، حتى يكون غنيمة لكم”

ثم تابعت حديثي وصوتي يزداد ويتعدى الجمع:
“لقد جن جنونكم، نحن مثلنا مثلكم، لا يفرقنا شيء عنكم، كلنا أتينا من أبا واحدا وأما واحدة، تلك المسميات التي نسميها قبائل ليست سوى من أجل التعارف وتسهيل الحياة.
هل تسمعون؟
إنها من أجل تسهيل الحياة فقط وليس تعقيدها وتدميرها وقتل بعضنا البعض.”

ساد الصمت المكان، ولم أعرف كيف فعلت كل ذلك، كنت لا أحس بجرحي في يدي، فقد كان القلب أكثر جرحا، أستدرت إلى السيارة وقلت لهم بصوت هاديء:
“حانزل ليكم الأطفال أولا عشان تقتلوهم وما يشوفوا أي حاجة من الموت البجي لي أهلهم، وبعدهم حاننزل الأمهات، وبعدهم يأتي الدور على الرجال”

ما إن ألتفت بعد حديثي وإذا بقائدهم قد نزلت دمعة منه، لم أكن أظن يوما أن أناس مثلهم لهم دموع، كنت أظن أن قلوبهم تحت أرجلهم يطئون عليها كلما تحركوا، لم أكن أظنهم كما كل الناس.

فجأة صاح فيهم:
“افتحوا الطريق”
“قلت ليكم افتحوا الطريق”
ثم قال لي:
“لقد أحييت اليوم إنسانا، اذهبوا فأنتم الأخوان الأحرار”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى