هذه المقالات يقصد بها الاحتفاء بالدكتور الفنان القامة عبد القادر سالم ، بعد عودته من مصر إلى أرض الوطن معافاً سليماً، بحمد الله وفضله. وأولاً نتمنى أن يديم الله وافر الصحة والعافية على أستاذنا الكبير الذي تخرجت على يده أجيال كثيرة من الطلاب الذين يتبوؤون مناصب مرموقة الآن داخل السودان وخارجه، فقد عمل بمهنة التدريس ردحاً من الزمن من التعليم الأولي وحتى الجامعي، بعد نيله درجة الدكتوراه، وهو علاوة على ذلك مطرب الملايين في السودان وخارجه عبر فنه الراقي وإيقاعاته التي ترتبط ببيئة كردفان الكبرى، وتجمع بين أنماط متنوعة من الإبداع والإيقاع الراقص الذي تضرب جذوره في عمق التراث
الشعبي، مع اختيارات موفقة من الألحان الحديثة والأغنيات الخالدة التي ظلت يرددها الناس في رحاب الوطن بأجمعه وليس في كردفان فحسب. ولهذا فإن عبد القادر سالم جدير بالاحتفاء والتكريم والتقدير نظراً لعطائه المتميز في أكثر من مجال، فهو رجل عرف بحسن الخلق وطيب المعشر والمجاملة في جميع المناسبات الخاصة والعامة؛ لاعتقاده أن الفن رسالة وليس وسيلة لكسب العيش، وهو رجل ملتزم برسالته الفنية من حيث المضمون والمسؤولية. وهذا ما أكسب عبد القادر سالم قبولاً واسعاً لدى قطاعات وشرائح مختلفة من أفراد الشعب السوداني داخل الحقل الفني وخارجه.
شخصيا، التقيت بالفنان عبد القادر سالم وجهاً لوجه لأول مرة في الرياض قبل عدة سنوات ومن حينها ظلت العلاقة بيننا قائمة على الرغم من فارق السن والمقام. وكان عبد القادر سالم حينئذ قد وصل إلى العاصمة السعودية في زيارة خاصة واستضافه أبناء كردفان في ليلة كردفانية فريدة من حيث المكان والحضور، فغنى عبد القادر سالم كما لم يغني من قبل فأبدع وأطرب الحضور الذي بادله وداً بود ورقصوا معه على إيقاع المردوم والجراري والتوية. وكان عبد القادر سالم متجليا ومنتشياً في تلك المناسبة لأنه وجد جمهوراً يفهم مفرداته ويتذوق أداءه بشكل مباشر، فظل يغني بلا توقف لساعات طويلة. ولا يزال أبناء كردفان في السعودية يذكرون تلك الليلة التي كانت بمثابة مهرجان فني وكان نجمه الساطع هو عبد القادر سالم، أطال الله عمره.
من مآثر عبد القادر سالم أنه أحد أعضاء فرقة فنون كردفان المؤسسيين لها في مطلع ستينات القرن الماضي. وقد ساهم هذا المبدع في نقل الأغنية الكردفانية وإيقاعاتها من المحلية إلى العالمية عبر حضوره المسرحي عالي التطريب وأدائه المتفرد وصوته الطروب الذي يلامس شغاف الأرواح والقلوب، سيما وأنه ابن بيئة كردفان الكبرى ذات الإيقاعات المتنوعة بين شمالها وجنوبها، حسب طبيعة المنطقة وحرفة أهلها. فقد نشأ عبد القادر سالم في ديار الحوازمة بجنوب كردفان ثم انتقل في ريعان شبابه إلى الأبيض، حاضرة كردفان، وهي يومئذ تعج بكبار الشعراء والمبدعين والمهتمين بالشأن الفني والغناء فوجد في مقره الجديد البيئة المناسبة لإظهار مقدرته الفنية، فسطع نجمه وذاع صيته بين أقرانه في تلك الحقبة ورحبت به جماهير الأبيض حتى صار حاضراً في كل مناسباتها الفنية وما أنفك يبدع ويساهم في الحركة الفنية السودانية عموماً، بعد أن صقل موهبته بدراسة الموسيقى في معهد الموسيقى بالخرطوم.
هذه السطور ما هي إلا مقدمة موجزة عن هذا الرجل الفنان الذي تبوأ مكانة عالية في الوسط الفني السوداني عبر مسيرته الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمن عاصر خلالها كبار المطربين في السودان فأفاد منهم وشاركهم في العطاء والتميز حتى أصبح علماً على رأسه نار فهو صاحب تجربة فنية جديرة بالدراسة والإشادة والاحتفاء.