تغنى هذا المبدع لكردفان كما لم يغني لها أحد من قبله أو من بعده، فهو الذي شدا بتلك الكلمات الرائعات “مكتول هواك يا كردفان” وغنى للرهود والوزين “جيناكي زي وزين هجر الرهيد يوم جفا” وغنى “ليمون بارا” والمريود” و”سيد الصبر ما باع” وقال حمامة طيري وجولي شوفي ويم زولي. وبشكل عام نستطيع القول إن ألحان عبد القادر سالم مفعمة بالحنية والوفاء للمكان والإنسان والذكريات وهي جميعها تحمل صور كردفانية غاية في الروعة ولذلك وجدت ذلك الرواج منقطع النظير ورددتها كل الأجيال حتى يومنا هذا. وقد أعجب الناس بعبد القادر، كما قال عنه المطرب جلال الصحافة، ليس لفنه فحسب، بل لدماثة خلقه وذوقه الرفيع وحسن تعامله مع الناس على المستويين الخاص والعام، فهو شخص مجامل ورقيق المشاعر يهتم بقضايا وأمور زملائه من الفنانين والموسيقيين ويرشد الشباب منهم ويوجههم لتحسين الأداء بأسلوب مربي صاحب تجربة ودربة. وفي هذه الحلقة يشاركنا اثنان من معجبي عبد القادر سالم هما الأخوين الكريمين الإداريين الركابي خليل أحمد شبو وعبد الرحيم سعيد، وكلاهما صاحب حس أدبي رفيع.
فقد كتب الدكتور الركابي ما نصه: “ عبد القادر سالم نجم لمع في فضاءات الغناء والتراث الشعبي السوداني فأصبح رقم له وزن ومكانة لا يمكن تجاوزه واهتم كثيرا بهذا الطراز من الفن حتى اصبح كل منهما عنوانا للآخر ، فعندما يُذكر عبد القادر سالم يطرأ على البال الغناء الشعبي والتراثي وكذلك العكس والتزم هذا المسار ولم يحد عنه ، وبقدر عطاءه واهتمامه كانت شهرته فاستحق لقب العالمية بجدارة. عبد القادر سالم رجل عصامي شق طريقه في مجال الفن معتمدا على امكاناته الأدبية وخبراته المكتسبة في مجال مهنة التعليم التي أتاحت له التنقل في أرجاء كردفان الغنية بالفنون والتراث المتنوع الذي كان منهلا لكل هذا الابداع الفني القديم المتجدد ولم يكتفى بالشهرة كونه أصبح فنانا ذائع الصيت عذب الصوت، بل صقل ذلك بالبحث والدراسة حتى نال درجة الدكتوراة في هذا المجال. وفوق هذا وذلك فهو رجل موهوب ، حباه الله صوتا عذبا جميلا وأخلاقا دمثة حميدة ، وهو رجل تُرفع له القبعات ويستحق التقدير، والإشادة محليا ،وإقليمياً، وعالميا.عبد القادر سالم الإنسان، عبد القادر سالم فنان، ومعلم، وباحث، وأديب وإداري، فهو حالة استثنائية ليست جديرة بالإشادة والتقدير فقط ، بل تستحق الدراسة والبحث لأن عبد القادر سالم مادة دسمة سلسة التناول تحوي كل عناصر النجاح في نفسها ولكل دارس لها. وليته يكرم بعد شفائه بإذن الله، وأن يسجل له ويوثق لسيرته ومسيرته الفنية والأدبية لتكون مرجعا لأهل السودان عموما وللمهتمين بالفن والتراث بصفة خاصة”.
هكذا فاح عطر عبد القادر سالم في خرائف كردفان عندما تندلع أسراب الفراشات والعصافير تشدو في عينة النترة وتضج الوديان والوهاد والتلال بموسيقى الطبيعة المحايدة والأحاسيس الماضية الذكية تلتقط تلك الأصوات وتمزجها نوتة موسيقية إنسانية الطابع والمذاق ليسمعها كل ذي قلب رهيف في هذا الكون ويصغي لها حتى الحيوان. فعندما شدت المغنية الإسرائيلية راحيلا مع فرقة لازو بأغنية الموسيقار عبد القادر “القمر بضوي وأنا شن بلاني بالنجوم” جاءت قطة مجذوبة تستمع معجبة وعندما فاض بها الإيقاع والصوت والقمر والأشواق هزت ذيلها تمايلا يمنة ويسرى. لقد هزها كما هزنا الطرب المنسوج من جدائل أصوات الطبيعة في السودان طفقت أغاني عبد القادر تغشى مسامع الناس انطلاقاً من كشكشة إيقاع المردوم في بوادينا إلى قيثارات المدن التي لا تنام إلا على نغمات الموسيقى وهزات الطرب، فموسيقى عبد القادر هدهدت تلك المدن فنامت وادعة تحت ظل التبلدي والحراز والجميز والأبانوس وهكذا هز عبد القادر بموسيقاه وجدان الإنسانية حتى افاق سعيداً منتشيا في دعوة للسلام والحب والارتقاء. وأخيرا “ما تبقى ظلاما يا أخي دي الدنيا معدودة أياما” وهذه ودعوة للشرب من رونق الحياة بعفة وكرامة، وتباهي بالخير والسلام والمحبة. وأطال الله عمرك أيها الموسيقار نبيل الاحساس وعالي المقام”.
وقد كانت هذه محاولة لإسداء بعض الوفاء لهذا المبدع القامة والله ما جاب يوم شكرك يا عبد القادر سالم.