النور الجيلاني هو بحق ساحر الاغنية السودانية وله مدرسة ولونية متفردة فهو حداثي بايقاع شعبي مزج بين اصالة الطرب القديم وحديثه
فخرج عن السائد والمالوف تغني للجمال والحب والطبيعة والوطن والانسان والنيل والقمر والعصافير والشجن .. فكان عندليب وقيثارة شعب السودان .
النور تاثر بالبيئة المحيطة به منذ نعومة اظافره فهو ابن شمال الخرطوم بحري – ابو حليمة – وقراها الوادعة الهادئة حيث النيل ومسرح الغزلان في الجناين . فهي منطقة بين منزلتين بين خضرة الريف وحواف المدينة لذلك صار الجيلاني يمزج بين الطرب الشعبي وموسيقي الحداثة .. وهذه المنطقة ضاربة الجذور في العراقة والحضارة والجمال من لدن حلفاية الملوك العاصمة الاخري للدولة السنارية . وقد اشرق الهام هذا التاريخ الباذخ وعذوبة الطبيعة والنهر ونوبات الصوفية في تلكم النواحي فكانت ينبوعا للابداع فكان خضر بشير وشاعر الحب والارهاف ادريس جماع والشاعر العظيم محمد محمد علي واولاد شمبات ومن بعد كان النور الجيلاني سليل هذا الشلال من الابداع والحضارة والاخضرار .
تغني الجيلاني للحقيبة فابدع في صفوة جمالك وتغني لخضر بشير ولعثمان الشفيع ولانه ابن الضواحي فقد اطربنا برائعة الخليل في الضواحي وطرف المدائن . وهو فنان مرهف عبّر عن خواطر الفيل ونشد له الحرية والطلاقة .. وغني كما لم يغني لقسوة الصد والفراق فكانت في عز الليل والذكري المنسية ويا عصفور وسواح .. واشتهر باستخدام الة المندولين الوترية في فرقته الموسيقية فميزته من غيره واطلق عليه لقب طرزان الفن السوداني لمساحة صوته الواسعة فكان يطرب نفسه وكل محبيه . وبذل صهوة شبابه وافني حياته درويشا عاشقا للوطن والجمال والطرب الرفيع والابداع . ووصف حياته في اهزوجته “بقيت مسافر وسط الريح وزاد الرحلة جنون وجراح .. اباري النجم لمن يلوح ”
والنور الجيلاني عشق الوطن فغني لوحدته بسلاح الفن وهو احب الجمال والانسان السوداني لذا لم يردد اغاني الوحدة الوطنية الجوفاء ذات الشعارات البراقة ولكنه غني لوحدة الوطن وقتئذ بالتغني للجمال وهو جوهر الانسان والوطن .. فطربنا بجمال جوبا وصبايا الابنوس وففيان زهرة البرية الندية وميري فقد احب الجنوب وطبيعته وانسانه فكان الغناء الوطني عنده الدعوة لعشق الجمال والطبيعة ..
هذا العام يشهد الاحتفالية بثمانينية الجيلاني فهو من مواليد 1944 . فحري بنا ان يكون الاحتفاء به عبر التوثيق لاعماله وان يجد الرعاية الصحية في ازمنة الحرب وليكن هذا في مقام رد الجميل لمبدع من ربوع بلادي عشق جوبا والخرطوم وزهور الكدرو .
وفي اتون هذه الحرب لابد من الالتفات للحفاظ علي تراث الامة ووجدانها وهؤلاء المبدعين في ضروب الفنون من مطربين واهل الموسيقي والشعر والتشكيل والمسرح والدراما والغناء الديني ” المداح ” هم من ثمار هذا الامة ولهم في خدمتها عرق فلابد من حفظ الابداع لزاهر للاجيال المقبلة فلا شعب بدون تاريخ ابداعي ..
النور الجيلاني هو وردة في بستان الابداع السوداني ونبض في قلب الشعب ونخلة رطبة الثمار بالحب والجمال والحرية والابداع فكان موحد القطرين بالشدو للجمال وسحر الطبيعة ” الشمال والجنوب ” .. قوم يا ساحر خلي النوم روعة يا انت اسمك مين شايل نومنا وسارح وين ..